﴿ لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى المؤمنين حَرَجٌ في أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ]، وقال تبارك وتعالى في آية التحريم :﴿ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أَصْلاَبِكُمْ ﴾ [ النساء : ٢٣ ] احترازاً عن زوجة الدعي فإنه ليس من الصلب، فأما دعوة الغير ابناً على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهي عنه في هذه الآية، بدليل ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما قال :« قدمنا على رسول الله ﷺ أغيلمة بني عبد المطلب على جمرات لنا من جمع، فجعل يلطخ أفخاذنا ويقول :» أبينيّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس « » وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله ﷺ :« يا بني »، وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ ﴾ أمر تعالى برد أنساب الأدعياء إلى آبائهم إن عرفوا، فإن لم يعرفوا فهم إخوانهم في الدين ومواليهم أي عوضاً عما فاتهم من النسب، ولهذا قال رسول الله ﷺ لعلي رضي الله عنه :« أنت مني وأنا منك » وقال لجعفر رضي الله عنه :« أشبهتَ خَلْقي وخُلُقي »، وقال لزيد رضي الله عنه :« أنت أخونا ومولانا » كما قال تعالى :﴿ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ ﴾.
وقد جاء في الحديث :« ليس من رجل ادعى إلى غير أبيه وهو يعلمه إلاّ كفر » ؛ وهذا تشديد وتهديد، ووعيد أكيد، في التبري من النسب المعلوم، ولهذا قال تعالى :﴿ ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله فَإِن لَّمْ تعلموا آبَاءَهُمْ فَإِخوَانُكُمْ فِي الدين وَمَوَالِيكُمْ ﴾، ثم قال تعالى :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ﴾ أي إذا نسبتم بعضهم إلى غير أبيه في الحقيقة خطأ، بعد الاجتهاد واستفراغ الوسع، فإن الله تعالى قد وضع الحرج في الخطأ، ورفع إثمه كما أرشد إليه في قوله تبارك وتعالى :﴿ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [ البقرة : ٢٨٦ ]، وفي الحديث :« إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطا فله أجر »، وفي الحديث الآخر :« إن الله تعالى رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والأمر الذي يكرهون عليه »، وقال تبارك وتعالى ههنا :﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ ولكن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ أي إنما الإثم على من تعمد الباطل، كما قال عزَّ وجلَّ :﴿ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٢٥ ] الآية، وروى الإمام أحمد عن عمر رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمداً ﷺ بالحق، وأنزل معه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، فرجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده، ثم قال : قد كنا نقرأ :[ ولا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم إن ترغبوا عن آبائكم ]، وفي الحديث الآخر :« ثلاث في الناس كفر : الطعن في النسب، والنياحة على الميت، والاستسقاء بالنجوم ».


الصفحة التالية
Icon