يقول تعالى مخبراً عن الأحزاب لما أجلاهم عن المدينة بما أرسل عليهم من الريح والجنود الإلهية، ولولا أن الله جعل رسوله رحمة للعالمين لكانت هذه الريح عليهم أشد من الريح العقيم التي أرسلها على عاد، ولكن قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ] فلسط عليهم هواء فرّق شملهم، وردهم خائبين خاسرين بغيظهم وحنقهم ﴿ لَمْ يَنَالُواْ خَيْراً ﴾ لا في الدنيا من الظفر والمغنم، ولا في الآخرة بما تحملوه من الآثام في مبارزة الرسول صى الله عليه وسلم بالعداوة وهمهم بقتله، وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَكَفَى الله المؤمنين القتال ﴾ أي لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم، بل كفى الله وحده ونصر عبده، وأعز جنده، ولهذا كان رسول الله ﷺ يقول :« لا إله إلاّ الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده فلا شيء بعده »، وفي « الصحيحين » عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال :« دعا رسول الله ﷺ على الأحزاب فقال :» اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، الله اهزمهم وزلزلهم « » وفي قوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَكَفَى الله المؤمنين القتال ﴾، إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش، وهكذا وقع بعدها لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم، قال محمد بن إسحاق : لما انصرف أهل الخندق عن الخندق قال رسول الله ﷺ فيما بلغنا :« لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ولكنكم تغزونهم »، فلم تغز قريش بعد ذلك، وكان رسول الله ﷺ هو يغزوهم بعد ذلك حتى فتح الله تعالى مكة، وقوله تعالى :﴿ وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾ أي بحوله وقوته ردّهم خائبين لم ينالوا خيراً، وأعز الله الإسلام وأهله، فله الحمد والمنة.