يمدح تبارك وتعالى :﴿ الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله ﴾ إي إلى خلقه ويؤدونها بأماناتها ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾ أي خافونه ولا يخافون أحداً سواه، فلا تمنعهم سطوة أحد عن إبلاغ رسالات الله تعالى ﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾ أي وكفى الله ناصراً ومعيناً، وسيد الناس في هذا المقام، بل وفي كل مقام ( محمد ) رسول الله ﷺ، فإنه قام بأداء الرسالة وإبلاغها إلى أهل المشارق والمغارب، ثم ورث مقام البلاغ عنه أمته من بعده، فكان أعلى من قام بها بعده أصحابه رضي الله عنهم، بلغوا عنه كما أمرهم به في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، في ليله ونهاره، وحضره وسفره، وسره وعلانيته، فBهم وأرضاهم، ثم ورثه كل خلف عن سلفهم إلى زماننا هذا، فبنورهم يقتدي المهتدون، وعلى منهجهم يسلك الموفقون، قال رسول الله ﷺ :« لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمر الله فيه مقال ثم لا يقوله، فيقول الله : ما يمنعك أن تقول منه، فيقول رب خشية الناس فيقول فأنا أحق أن يخشى ». وقوله تعالى :﴿ مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ﴾ نهى أن يقال بعد هذا ( زيد بن محمد ) أي لم يكن أباه وإن كان قد تبناه، فإنه ﷺ لم يعش له ولد ذكر حتى بلغ الحلم، فإنه ﷺ ولد له القاسم والطيب والطاهر من خديجة رضي الله عنها فماتوا صغاراً، وولد له ﷺ إبراهيم من مارية القبطية، فمات أيضاً رضيعاً، وكان له ﷺ من خديجة أربع بنات : زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين، فمات في حياته ﷺ ثلاث، وتأخرت فاطمة رضي الله عنها حتى أصيبت به ﷺ ثم ماتت بعده لستة أشهر، وقوله تعالى :﴿ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة.
وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله ﷺ. روى الإمام أحمد عن أبي بن كعب عن النبي ﷺ قال :« مثلي في النبيين كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه ويقولون : لم تم موضع هذه اللبنة؟ فأنا في النبيين موضع تلك اللبنة » حديث آخر : روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :