هذه الآية نزلت مجازاة لأزواج النبي ﷺ على حسن صنيعهن، في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة، لما خيرهن رسول الله ﷺ كما تقدم، فلما اخترن رسول الله ﷺ كان جزاؤهن أن الله تعالى قصره عليهن، وحرّم عليه أن يتزوج بغيرهن أو يستبدل بهن أزواجاً غيرهن، ثم إنه تعالى رفع عنه الحرج في ذلك وأباح له التزوج، ولكن لم يقع منه بعد ذلك تزوج، لتكون المنة لرسول الله ﷺ عليهن، روي « عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما مات رسول ﷺ حتى أحل الله له النساء »، وروى ابن أبي حاتم « عن أم سلمة أنها قالت : لم يمت رسول الله ﷺ حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء إلاّ ذات محرم، وذلك قول الله تعالى :﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ مِنْهُنَّ ﴾ » [ الأحزاب : ٥١ ] فجعلت هذه ناسخة للتي بعدها في التلاوة كآيتي عدة الوفاة في البقرة، الأولى ناسخة للتي بعدها والله أعلم. وقال آخرون : بل معنى الآية ﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾ أي من بعدما ذكرنا لك من صفة النساء، اللات أحللنا لك من نسائك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك، وبنات العم والعمات، والخال والخالات، والواهبة، وما سوى ذلك من أصناف النساء فلا يحل لك.
قال ابن جرير عن زياد عن رجل من الأنصار قال، قلت لأبي بن كعب، أرأيت لو أن أزواج النبي ﷺ توفين أما كان له أن يتزوج؟ فقال : وما يمنعه من ذلك؟ قال، قلت : قول الله تعالى :﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾ فقال : إنما أحل الله له ضرباً من النساء، فقال تعالى :﴿ ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ ﴾ إلى قوله ﴿ إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ] ثم قيل له :﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾، وروى الترمذي عن ابن عباس قال نهي رسول الله ﷺ عن أصناف النساء إلاّ ما كان من المؤمنات المهاجرات بقوله تعالى :﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ ﴾، فأحل الله فتياتكم المؤمنات، وامرأة إن وهبت نفسها للنبي، وحرم كل ذات دين غير الإسلام، ثم قال :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بالإيمان فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ [ المائدة : ٥ ] الآية، وقال تعالى :﴿ ياأيها النبي إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ] إلى قوله ﴿ خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ المؤمنين ﴾ [ الأحزاب : ٥٠ ] وحرم ما سوى ذلك من أصناف النساء. وقال مجاهد :﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾ أي من بعد ما سمى لك، لا مسلمة ولا يهودية، ولا نصرانية، ولا كافرة، وقال عكرمة ﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾، أي التي سمى الله، واختار ابن جرير رحمه الله أن الآية عامة فيمن ذكر من أصناف النساء، وفي النساء اللواتي في عصمته وكن تسعاً، وهذا الذي قاله جيد ولعله مراد كثير ممن حكينا عنه من السلف فإن كثيراً منهم روى عنه هذا وهذا ولا منافاة والله أعلم.