يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود ﷺ مما آتاه من الفضل المبين وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العدد والعدد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات، وفي الصحيح « أن رسول الله ﷺ سمع صوت أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته، ثم قال ﷺ » لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود « » ومعنى قوله تعالى :﴿ أَوِّبِي ﴾ أي سبحي، والتأويب في اللغة الترجيع، فأمرت الجبال والطير أن ترجع معه بأصواتها، وقوله تعالى :﴿ وَأَلَنَّا لَهُ الحديد ﴾ قال الحسن البصري وقتادة : كان لا يحتاج أن يدخله ناراً ولا يضربه بمطرقة، بل كان يفتله بيده مثل الخيوط، ولهذا قال تعالى :﴿ أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ ﴾ وهي الدروع، قال قتادة : وهو أول من عملها من الخلق، وإنما كانت قبل ذلك صفائح، وقال ابن شوذب : كان داود عليه السلام يرفع في كل يوم درعاً فيبيعها بستة آلاف درهم، ألفين له ولأهله وأربعة آلاف درهم يطعم بها بني إسرائيل خبز الحواري، ﴿ وَقَدِّرْ فِي السرد ﴾ هذا إرشاد من الله تعالى لنبيه داود عليه السلام في تعليمه صنعة الدروع، قال مجاهد :﴿ وَقَدِّرْ فِي السرد ﴾ لا تدق المسمار فيقلق في الحلقة، ولا تغلظه فيقصمها واجعله بقدر، وقال الحكم بن عيينة : لا تغلظه فيقصم ولا تدقه فيقلق، وقال ابن عباس : السرد حلق الحديد : وقال بعضهم : يقال درع مسرودة إذا كانت مسمورة الحلق، واستشهد بقول الشاعر :
وعليهما مسرودتان قضاهما | داود أو صنع السوابغ تبغ |