بين تبارك وتعالى أنه الإله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا نظير له ولا شريك، بل المستقبل بالأمر وحده من غير مشارك ولا منازع ولا معارض، فقال :﴿ قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ الله ﴾ أي من الآلهة التي عبدت من دونه، ﴿ لاَ يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض ﴾، كما قال تعالى :﴿ والذين تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴾ [ فاطر : ١٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ ﴾ أي لا يملكون شيئاً استقالالاً ولا على سبيل الشركة ﴿ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ ﴾ أي وليس لله من هذه الأنداد من معين يستظهر به في الأمور، بل الخلق كلهم فقراء إليه عبيد لديه، قال قتادة في قوله عزَّ وجلَّ ﴿ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ ﴾ من عون يعينه بشيء، ثم قال تعالى :﴿ وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ﴾ أي لعظمته وجلاله وكبريائه، لا يجترىء أحد أن يشفع عنده تعالى في شيء، إلا بعد إذنه له في الشفاعة، كما قال عزَّ وجلَّ :﴿ مَن ذَا الذي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] وقال جلَّ وعلا :﴿ وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي السماوات لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله لِمَن يَشَآءُ ويرضى ﴾ [ النجم : ٢٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [ الأنبياء : ٢٨ ] ولهذا ثبت في « الصحيحين » من غير وجه عن رسول الله ﷺ وهو سيد ولد آدم، وأكبر شفيع عند الله تعالى، « أنه حين يقوم المقام المحمود ليشفع في الخلق كلهم، قال :» فأسجد لله تعالى فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ويفتح عليَّ بمحامد لا أحصيها الآن، ثم يقال يا محمد ارفع رأسك، وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع « » الحديث بتمامه. وقوله تعالى :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق ﴾، وهذا أيضاً مقام رفيع في العظمة، وهو أنه تعالى إذا تكلم بالوحي فسمع أهل السماوات كلامه أرعدوا من الهيبة حتى يلحقهم مثل الغشي، قال ابن مسعود ﴿ فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ أي زال الفزع منها، وقال ابن عباس والضحاك والحسن وقتادة في قوله عزَّ وجلَّ :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق ﴾ يقول : خلي عن قلوبهم، فإذا كان كذلك سأل بعضهم بعضاً : ماذا قال ربكم. فيخبر بذلك حملة العرش للذين يلونهم، ثم الذين يلونهم لمن تحتهم، حتى ينتهي الخبر إلى أهل السماء الدنيا، ولهذا قال تعالى :﴿ قَالُواْ الحق ﴾ أي أخبروا بما قال من غير زيادة ولا نقصان ﴿ وَهُوَ العلي الكبير ﴾.
وقال آخرون : بل معنى قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني المشركين عند الاحتضار ويوم القيامة، إذا استيقظوا مما كانوا فيه من الغفلة في الدنيا، قالوا : ماذا قال ربكم؟ فقيل لهم : الحق، وأخبروا به مما كانوا عنه لاهين في الدنيا، قال مجاهد ﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ كشف عنها الغطاء يوم القيامة، وقال الحسن :﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ما فيها من الشك والتكذيب، وقال ابن أسلم ﴿ حتى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ما فيها من الشك قال فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وأمانيهم وما كان يضلهم ﴿ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلي الكبير ﴾ قال : وهذا في بني آدم هذا عند الموت أقروا حين لا ينفعهم الإقرار، وقد اختار ابن جرير القول الأول أن الضمير عائد على ( الملائكة ) وهذا هو الحق الذي لا مرية فيه لصحة الأحاديث فيه الآثار، قال البخاري عند تفسير هذه الآية الكريمة في « صحيحه » عن سفيان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله ﷺ قال :


الصفحة التالية
Icon