يقول تعالى مقرراً تفرده بالخلق والرزق، وانفراده بالإلهية أيضاً، فكما كانوا يعترفون بأنهم لا يرزقهم من السماء والأرض إلا الله، فكذلك فليعلموا أنه لا إله غيره، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ أي و احد من الفريقين مبطل، والآخر محق، لا سبيل إلى أن تكونوا أنتم ونحن على الهدى أو على الضلال، بل واحد منا مصيب، ونحن قد أقمنا البرهان على التوحيد فدل على بطلان ما أنتم عليه من الشرك بالله تعالى، ولهذا قال :﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ قال قتادة قد قال ذلك أصحاب محمد ﷺ للمشركين، والله ما نحن وإياكم على أمر واحد، إنَّ أحد الفريقين لمهتد. وقال عكرمة : معناها إنا نحن لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين، وقوله تعالى :﴿ قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ معناه التبري منهم أي لستم منا و لا نحن منكم، بل ندعوكم إلى الله تعالى وإلى توحيده وإفراده العبادة له، فإن أجبتم فأنتم منا ونحن منكم، وإن كذبتم فنحن برآء منكم وأنتم برآء منا كما قال تعالى :﴿ وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [ يونس : ٤١ ]، وقوله تعالى :﴿ قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ﴾ أي يوم القيامة يجمع بين الخلائق في صعيد واحد ﴿ ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق ﴾ أي يحكم بيننا بالعدل، فيجزي كل عامل بعمله، إن خيراً فيخر وإن شراً فشر، وستعلمون يومئذ لمن العزة والنصرة والسعادة الأبدية، كما قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ ﴾ [ الروم : ١٤ ]، ولهذا قال عزَّ وجلَّ :﴿ وَهُوَ الفتاح العليم ﴾ أي الحاكم العادل العالم بحقائق الأمور، وقوله تبارك وتعالى :﴿ قُلْ أَرُونِيَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ ﴾ أي أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أنداداً وصيرتموها له عدلاً، ﴿ كَلاَّ ﴾ أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل، ولهذا قال تعالى :﴿ بَلْ هُوَ الله ﴾ أي الواحد الأحد الذي لا شريك له، ﴿ العزيز الحكيم ﴾ أي ذو العزة الذي قد قهر بها كل شيء، وغلبت كل شيء، ﴿ الحكيم ﴾ في أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، تبارك وتعالى وتقدس عما يقولون علواً كبيراً.


الصفحة التالية
Icon