يقول تبارك وتعالى : قل يا محمد لهؤلاء الكافرين الزاعمين أنك مجنون :﴿ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ ﴾ أي إنما آمركم بواحدة، وهي ﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾ أي تقوموا قياماً خالصاً لله عزَّ وجلَّ من غير هوى ولا عصبية فيسأل بعضكم بعضاً : هل بمحمد من جنون؟ فينصح بعضكم بعضاً، ﴿ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ ﴾ أي ينظر الرجل لنفسه في أمر محمد ﷺ، ويسأل غيره من الناس عن شأنه إن أشكل عليه ويتفكر في ذلك، ولهذا قال تعالى :﴿ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ ﴾، وقوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾، قال البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :« صعد النبي ﷺ الصفا ذات يوم فقال :» يا صباحاه « فاجتمعت إليه قريش فقالوا : مالك؟ فقال :» أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم أو يمسيكم أما تصدقوني « قالوا : بلى؟ قال ﷺ :» فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد «، فقال أبو لهب : تباً لك ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله عزَّ وجلَّ :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ » [ المسد : ١ ]، وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين ﴾ [ الشعراء : ٢١٤ ]. وقال الإمام أحمد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال :« خرج إلينا رسول الله ﷺ يوماً فنادى ثلاث مرات فقال :» أيها الناس تدرون ما مثلي ومثلكم «؟ قالوا : الله تعالى ورسوله أعلم، قال ﷺ :» إنما مثلي ومثلكم مثل قوم خافوا عدواً يأتيهم، فبعثوا رجلاً يتراءى لهم، فينما هو كذلك أبصر العدو، فأقبل لينذرهم وخشي أن يدركه العدو قبل أن ينذر قومه فأهوى بثوبه : أيها الناس أوتيتم، أيها الناس أوتيتم « ثلاث مرات ».


الصفحة التالية
Icon