كثيراً ما يستدل تعالى على المعاد بإحيائه الأرض بعد موتها، ينبه عباده أن يعتبروا بهذا على ذلك، فإن الأرض تكون ميتة هامدة لا نبات فيها، فإذا أرسل إليها السحاب تحمل الماء وأنزله عليها، ﴿ اهتزت وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ الحج : ٥ ]، كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها أنزل من تحت العرش مطراً يعم الأرض جميعاً، ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض، ولهذا جاء في الصحيح :« كل ابن آدم يبلى إلا عَجْبَ الذنب، منه خلق ومنه يركب »، ولهذا قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ النشور ﴾ وتقدم في الحج حديث أبي رزين، قلت :« يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال ﷺ :» يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلاً ثم مررت به يهتز خضراً « قلت : بلى، قال ﷺ :» فكذلك يحيي الله الموتى « »، وقوله تعالى :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً ﴾ أي من كان يحب أن يكون عزيزاً في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعاً، كما قال تعالى :﴿ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ العزة فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ﴾ [ النساء : ١٣٩ ]، وقال عزَّ وجلَّ :﴿ وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ المنافقون : ٨ ] قال مجاهد :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العزة ﴾ بعبادة الأوثان ﴿ فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً ﴾، وقال قتادة :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ العزة فَلِلَّهِ العزة جَمِيعاً ﴾ أي فليتعزز بطاعة الله عزَّ وجلَّ، وقوله تبارك وتعالى :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب ﴾ يعني الذكر والتلاوة والدعاء؛ روى ابن جرير عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال : سبحان الله وبحمده والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر تبارك الله، أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه، ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن، حتى يجيء بهن وجه الله عزَّ وجلَّ، ثم قرأ عبد الله رضي الله عنه :﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾. وقال كعب الأحبار : إن لسبحانه الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لدوياً حول العرش كدوي النحل، يذكرن لصاحبهن، والعمل الصالح في الخزائن.
وقوله تعالى :﴿ والعمل الصالح يَرْفَعُهُ ﴾ قال ابن عباس : الكلم الطيب ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ، والعمل الصالح أداء الفريضة، فمن ذكر الله تعالى في أداء فرائضه حمل عمله ذكر الله تعالى يصعد به إلى الله عزَّ وجلَّ، ومن ذكر الله تعالى ولم يؤد فرائضه رد كلامه على عمله فكان أولى به، وكذا قال مجاهد : العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، وقال إياس بن معاوية : لولا العمل الصالح لم يرفع الكلام، وقال الحسن وقتادة : لا يقبل قول إلا بعمل، وقوله تعالى :﴿ والذين يَمْكُرُونَ السيئات ﴾ قال مجاهد : هم المراؤون بأعمالهم يعني يمكرون بالناس، يوهمون أنهم في طاعة الله تعالى وهم بغضاء إلى الله عزَّ وجلَّ يراؤون بأعمالهم


الصفحة التالية
Icon