يقول تعالى : كما لا تستوي هذه الأشياء المتباينة المختلفة كالأعمى والبصير، لا يستويان بل بينهما فرق وبون كثير، وكما لا تستوي الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور، كذلك لا تستوي الأحيا ولا الأموات، وهذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمنين وهم الأحياء، وللكافرين وهم الأموات، كقوله تعالى :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ]، وقال عزَّ وجلَّ :﴿ مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ﴾ [ هود : ٢٤ ] ؟ فالمؤمن بصير سميع في نور يمشي على صراط مستقيم، في الدنيا والآخرة حتى يستقر به الحال في الجنات ذات الظلال والعيون، والكافر أعمى وأصم في ظلمات يمشي لا خروج له منها، بل هو يتيه في غيه وضلاله في الدنيا والآخرة، حتى يفضي به ذلك إلى الحرور والسموم والحميم ﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ * لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ [ الواقعة : ٤٣-٤٤ ]، وقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ﴾ أي يهديهم إلى سماع الحجة وقبولها والانقياد لها ﴿ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور ﴾ أي كما لا ينتفع الأموات بعد موتتهم وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة إليها، كذلك هؤلاء المشركون الذين كتب عليهم الشقاوة لا حيلة لك فيهم، ولا تستطيع هدايتهم ﴿ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ﴾، أي إنما عليك البلاغ والإنذار والله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، ﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بالحق بَشِيراً وَنَذِيراً ﴾ أي بشيراً للمؤمنين ونذيراً للكافرين، ﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ أي وما من أمة خلت من بني آدم إلا وقد بعث الله تعالى إليهم النذر وأزاح عنهم العلل، كما قال تعالى :﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [ الرعد : ٧ ]، وكما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ﴾ [ النحل : ٣٦ ] الآية، والآيات في هذا كثيرة. وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات ﴾ وهي المعجزات الباهرات والأدلة القاطعات، ﴿ وبالزبر ﴾ وهي الكتب، ﴿ وبالكتاب المنير ﴾ أي الواضح البين، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ ﴾، أي ومع هذا كله كذب أولئك رسلهم فيما جاؤهم به فأخذتهم أي بالعقاب والنكال، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴾ أي فكيف رأيت إنكاري عليهم عظيماً شديداً بليغاً؟ والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon