قال المفسرون : بعث الله تعالى إليهم جبريل ﷺ، فأخذ بعضادتي باب بلدهم، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم خامدون عن آخرهم لم تبق بهم روح تترد في جسد، وقد تقدم عن كثير من السلف أن هذه القرية هي ( أنطاكية ) وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلاً منعند المسيح عيسى ابن مريم ﷺ كما نص عليه قتادة وغيره، وفي ذلك نظر من وجوه : أحدها : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عزّ وجلّ لا من جهة المسيح عليه السلام كما قال تعالى :﴿ إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فقالوا إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ ﴾ [ يس : ١٤ ]، ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام، ثم لو كانوا رسل المسيح لما قالوا لهم ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ [ إبراهيم : ١٠ ]. الثاني : أن أهل أنطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم، وكانت أول مدينة آمنت بالمسيح ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربع اللاتي فيهن بتاركة، وهن ( القدس ) لأنها بلد المسيح، و ( أنطاكية ) لأنها أول بلدة آمنت بالمسيح عن آخر أهلها، و ( الاسكندرية ) لأن فيها اصطلحوا على اتخاذ البتاركة والمطارنة والأساقفة والقساوسة، ثم ( رومية ) لأنها مادنية الملك قسطنطين الذي نصر دينهم وأوطده، فإذا تقرر أن أنطاكية أول مدينة آمنت، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم، والله أعلم. الثالث : أن قصة أنطاكية مع الحواريين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة، وقد ذكر غير واحد من السلف أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة، لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تبارك وتعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا القرون الأولى ﴾ [ القصص : ٤٣ ] فلعلى هذه يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أُخْرى غير ( أنطاكية ) كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضاً، أو تكون انطاكية إن كان لفظها محفوظاً في هذه القصة مدينة أُخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية ولا قبل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon