يقول تبارك وتعالى : ودلالة لهم أيضاً على قدرته تبارك وتعالى، وتسخيره البحر ليحمل السفن، فمن ذلك بل أوله سفينة نوح ﷺ، التي أنجاه الله تعالى فيها بمن معه من المؤمنين، ولهذا قال عزّ وجلّ ﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ أي آباءهم ﴿ فِي الفلك المشحون ﴾ أي في السفينة المملوءة من الأمتعة والحيوانات، التي أمره الله تبارك وتعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين، قال ابن عباس ﴿ المشحون ﴾ الموقر، وقال الضحّاك وقتادة : هي سفينة نوح ﷺ، وقوله جلّ وعلا :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ قال ابن عباس : يعني بذلك الإبل، فإنها سفن البر يحملون عليها ويركبونها، وقال السدي في رواية : هي الأنعام، وقال ابن جرير : عن ابن عباس رضي الله عنه عنهما قال : أتدرون ما قوله تعالى :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ ؟ قلنا : لا، قال : هي السفن جعلت من بعد سفينة نوح ﷺ على مثلها، وكذا قال الضحّاك وقتادة : المراد بقوله تعالى :﴿ وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ ﴾ أي السفن، ويقوي هذا المذهب في المعنى قوله جلّ وعلا :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية * لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ﴾ [ الحاقة : ١١-١٢ ]، وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ ﴾ يعني الذين في السفن، ﴿ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ ﴾ أي فلا مغيث لهم مما هم فيه، ﴿ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ ﴾ أي مما أصابهم، ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا ﴾ وهذا استثناء منقطع تقديره : ولكن برحمتنا نسيركم في البر والبحر ونسلمكم إلى أجل مسمى، ولهذا قال تعالى :﴿ وَمَتَاعاً إلى حِينٍ ﴾ أي إلى وقت معلوم عند الله عزّ وجلّ.


الصفحة التالية
Icon