يقول تعالى مخبراً منبهاً على قدرته العظيمة، في خلق السماوات والسبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت، والأرضيين السبع وما فيها من جبال ورمال وبحار وقفار وما بين ذلك، ومرشداً إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة كقوله تعالى :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ] وقال عزّ وجلّ هاهنا ﴿ أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾ أي مثل البشر فيعيدهم كما بدأهم، وهذه الآيات الكريمة كقوه عزّ وجلّ :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ]، وقال تبارك وتعالى هاهنا :﴿ بلى وَهُوَ الخلاق العليم * إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ أي إنما يأمر بالشيء أمراً واحداً لا يحتاج إلى تكرار وتأكيد كما قيل :

إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له ( كن ) قولةً ( فيكون )
عن أبي ذر رضي الله عنه، « أن رسول الله ﷺ قال :» إن الله تعالى يقول يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت فاستغفروني أغفر لكم، وكلكم فقير إلا من أغنيت، إني جوّاد ماجد واجد أفعل ما أشاء، عطاي كلام، وعذابي كلام، إذا أردت شيئاً فإنما أقول له كن فيكون « وقوله تعالى :﴿ فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ أي تنزيه وتقديس للحي القيوم، الذي بيده مقاليد السماوات والأرض، وإليه ترجع العباد يوم المعاد فيجازي كل معامل بعمله، وهو العادل المنعم المتفضل، ومعنى قوله سبحانه :﴿ فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ كقوله عزّ وجلّ :﴿ تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك ﴾ [ الملك : ١ ] فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت، ورهبة ورهبوت، ومن الناس من زعم أن ﴿ الملك ﴾ هو عالم الأجساد، ﴿ المَلَكُوتُ ﴾ هو عالم الأرواح، والصحيح الأول، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم. روى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال :» قمت مع رسول الله ﷺ ذات ليلة فقرأ السبع الطوال في ركعات، وكان ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده، ثم قال الحمد لله، ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة، وكان ركوعه مثل قيامه، وسجوده مثل ركوعه، فانصرف وقد كادت تنكسر رجلاي «. عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال :» قمت مع رسول الله ﷺ ليلة فقام، فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ، قال : ثم ركع بقدر قيامه، يقول في ركوعه :« سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة »، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قام فقرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة «.


الصفحة التالية
Icon