يخبر تعالى أنه زين السماء الدنيا للناظرين إليها من أهل الأرض بزينة الكواكب، فالكواكب السيارة والثوابت تضيء لأهل الأرض، كما قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ ﴾ [ الملك : ٥ ]، وقال عزّ وجلّ :﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السماء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ *وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ ﴾ [ الحجر : ١٦-١٧ ]، فقوله جلّ وعلا هاهنا :﴿ وَحِفْظاً ﴾ تقديره : وحفظناها حفظاً :﴿ مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴾ يعني المتمرد العاتي، إذا أراد أن يسترق السمع أتاه شهاب ثاقب فأحرقه، ولهذا قال جلّ جلاله :﴿ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى ﴾ أي لئلا يصلوا إلى الملأ ﴿ الملإ الأعلى ﴾ وهي السماوات ومن فيها من الملائكة، كما تقدم بيان ذلك، ولهذا قال تعالى :﴿ وَيُقْذَفُونَ ﴾ أي يرمون ﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾ أي من كل كهة يقصدون السماء منها، ﴿ دُحُوراً ﴾ أي رجماً يدحرون به ويزجرون، ويمنعون من الوصول إلى ذلك ويرجمون، ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ ﴾ أي في الدار الآخرة، لهم عذاب دائم موجع مستمر، كما قال جلّت عظمته :﴿ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السعير ﴾ [ الملك : ٥ ]، وقوله تبارك وتعالى :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة ﴾ أي إلا من اختطف من الشياطين الخطفة، وهي الكلمة يسمعها من السماء، فيلقيها إلى الذي تحته، ويلقيها الآخر إلى الذي تحته، فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، ولهذا قال :﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ أي مستنير، قال ابن عباس : كان للشياطين مقاعد في السماء، فكانوا يستمعون الوحي، وكانت النجوم لا تجري، وكانت الشياطين لا ترمي، فإذا سمعوا الوحي نزلوا إلى الأرض، فزادوا في الكلمة تسعاً، فلما بعث رسول الله ﷺ، جعل الشيطان إذا قعد مقعده جاءه شهاب فلم يخطئه حتى يحرقه، فشكوا ذلك إلى إبليس لعنه الله، فقال : ما هو إلا من أمرٍ حدَث، فبعث جنوده فإذا رسول الله ﷺ قائم يصلي بين جبلي نخلة، قال وكيع : يعني بطن نخلة، فرجعوا إلى إبليس، فأخبروه، فقال : هذا الذي حدث.


الصفحة التالية
Icon