يذكر تعالى : أن الكفار يتلاومون في عرصات القيامة، كما يتخاصمون في دركات النار، ﴿ فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النار ﴾ [ غافر : ٤٧ ] ؟ كما قال تعالى :﴿ وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول يَقُولُ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا لَوْلاَ أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ ﴾ [ سبأ : ٣١ ] وهكذا قالوا لهم ههنا :﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين ﴾، قال ابن عباس، يقولون : كنتم تقهروننا بالقدرة منكم علينا، لأنا كنا أذلاء وكنتم أعزاء، وقال مجاهد : يعني عن الحق، تقوله الكفار للشياطين، وقال قتادة : قالت الإنس والجن :﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين ﴾، قال من قبل الخير فتنهونا عنه وتبطئونا عنه، وقال السدي : تأتوننا من قبل الحق وتزينوا لنا الباطل، وتصدونا عن الحق، قال الحسن : أي والله يأتيه عند كل خير يريده فيصده عنه، وقال ابن زيد : معناه تحولون بيننا وبين الخير، ورددتمونا عن الإسلام والإيمان والعمل بالخير الذي أمرنا به.
وقوله تعالى :﴿ قَالُواْ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ تقول القادة من الجن والإنس للأتباع : ما الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان، ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ اي من حجة على صحة ما دعوناكم إليه، ﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾، أي بل كان فيكم طغيان ومجاوزة للحق، فلهذا استجبتم لنا وتركتم ا لحق الذي جاءتكم به الأنبياء، ﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ إِنَّا لَذَآئِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾، يقول الكبراء للمستضعفين : حقت علينا كلمة الله إنا من الأشقياء الذائقين للعذاب يوم القيامة، ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾ أي دعوناكم إلى الضلالة ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾، أي فدعوناكم إلى ما نحن فيه فاستجبتم لنا، قال تعالى :﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي العذاب مُشْتَرِكُونَ ﴾ أي الجميع في النار كل بحسبه، ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين * إِنَّهُمْ كانوا ﴾ أي في الدار الدنيا ﴿ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ أي يستكبرون أن يقولوها كما يقولها المؤمنون.
وفي الحديث :« أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال : لا إله إلا الله قد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عزّ وجلّ » وروى ابن أبي حاتم عن أبي العلاء قال : يؤتى باليهود يوم القيامة فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : نعبد الله وعزيراً، فيقال لهم : خذوا ذات الشمال؛ ثم يؤتى بالنصارى فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : نعبد الله والمسيح، فيقال لهم : خذوا ذات الشمال، ثم يؤتى بالمشركين فيقال لهم : لا إله إلا الله فيستكبرون، ثم يقال لهم : لا إله إلا الله، فيستكبرون، ثم يقال لهم : لا إله إلا الله، فيستكبرون، فيقال لهم : خذوا ذات الشمال، قال أبو نضرة : فينطلقون أسرع من الطير، قال أبو العلاء : ثم يؤتى بالمسلمين فيقال لهم : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : كنا نعبد الله تعالى، فيقال لهم : هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون : نعم، فيقال لهم : فكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون نعلم أنه لا عدل له، قال : فيتعرف لهم تبارك وتعالى وتقدس وينجي الله المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon