يخبر تعالى عن أهل الجنة أنه ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ أي عن أحوالهم وكيف كانوا في الدنيا، وماذا كانوا يعانون فيها، وذلك من حديثهم على شرابهم واجتماعهم في تنادمهم، ومعاشرتهم في مجالسهم، وهم جلوس على السرر، والخدم بين أيديهم، يسعون ويبحثون بكل خير عظيم، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ قال مجاهد : يعني شيطاناً، وقال ابن عباس : هو الرجل المشرك يكون له صاحب من أهل الإيمان في الدنيا، ولا تنافي بين كلام مجاهد وابن عباس رضي الله عنهما، فإن الشيطان يكون من الجن فيوسوس في النفس، ويكون من الإنس، فيقول كلاماً تسمعه الأذنان، وكلاهما يتعاونان، قال الله تعالى :﴿ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القول غُرُوراً ﴾ [ الأنعام : ١١٢ ] وكل منهما يوسوس، كما قال الله عزّ وجلّ :﴿ مِن شَرِّ الوسواس الخناس * الذى يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الناس * مِنَ الجنة والناس ﴾ [ الناس : ٤٦ ] ولهذا :﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ المصدقين ﴾ أي أأنت تصدّق بالبعث والنشور، والحساب والجزاء؟ يعني يقول ذلك على وجه التعجب والتكذيب والاستبعاد، والكفر والعناد ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ ؟ قال مجاهد والسدي : لمحاسبون، وقال ابن عباس : لمجزيون بأعمالنا، قال تعالى :﴿ قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ ﴾ أي مشرفون، يقول المؤمن لأصحابه وجلسائه من أهل الجنة ﴿ فاطلع فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم ﴾ قال ابن عباس والسدي : يعني في وسط الجحيم، وقال الحسن البصري : في وسط الجحيم كأنه شهاب يتقدم، وقال قتادة : ذكر أنه اطلع فرأى جماجم القوم تغلي، وقال كعب الأحبار : في الجنة كوى، إذا أراد أحد من أهلها أن ينظر إلى عدوه في النار، اطلع فيها فازداد شكراً لله، ﴿ قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴾ يقول المؤمن مخاطباً للكافر : والله إن كدت لتهلكني لو أطعتك، ﴿ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ المحضرين ﴾ أي ولولا فضل الله عليّ لكنت مثلك في سواء الجحيم، محضر معك في العذاب، ولكنه رحمني فهداني للإيمان، وأرشدني إلى توحيده ﴿ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لولا أَنْ هَدَانَا الله ﴾ [ الأعراف : ٤٣ ]. وقوله تعالى :﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ ؟ هذا من كلام المؤمن، مغتبطاً نفسه بما أعطاه الله تعالى، من الخلد في الجنة والإقامة في دار الكرامة، بلا موت فيها ولا عذاب، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم ﴾. قال الحسن البصري : علموا أن كل نعيم فإن الموت يقطعه، فقالوا :﴿ لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون ﴾ ؟ قيل : لا، من كلام أهل الجنة، وقال ابن جرير : هو من كلام الله تعالى، ومعناه : لمثل هذا النعيم وهذا الفوز فليعمل العاملون في الدنيا ليصيروا إليه في الآخرة.


الصفحة التالية
Icon