يقول الله تعالى : أهذا الذي ذكر من نعيم الجنة، وما فيها من مآكل ومشارب ومناكح، وغير ذلك من الملاذ خير ضيافةً وعطاءً ﴿ أَمْ شَجَرَةُ الزقوم ﴾ أي التي في جهنم؟ وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾، قال قتادة : ذكر شجرة الزقوم، فافتتن بها أهل الضلالة، وقالوا : صاحبكم ينبئكم أن في النار شجرة والنار وتأكل الشجر، فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم ﴾ غذيت من النار ومنها خلقت، وقال مجاهد :﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ قال أبو جهل لعنه الله : إنما الزقوم التمر والزبد أتزقمه؟ قلت : ومعنى الآية : إنما أخبرناك يا محمد بشجرة الزقوم، اختباراً تختبر به الناس، من يصدق منهم ممن يكذب، كقوله تبارك وتعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَا الرؤيا التي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ والشجرة الملعونة فِي القرآن وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً ﴾ [ الإسراء : ٦٠ ] وقوله تعالى :﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم ﴾ أي أصل منبتها في قرار النار :﴿ طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشياطين ﴾ تبشيع لها وتكريه لذكرها، وإنما شبّهها برؤوس الشياطين، وإن لم تكن معروفة عند المخاطبين، لأنه قد استقر في النفوس أن الشياطين قبيحة المنظر، وقوله تعالى :﴿ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون ﴾، ذكر تعالى أنهم يأكلون من هذه الشجرة التي أبشع منها ولا أقبح من منظرها، مع ما هي عليه من سوء الطعم والريح والطبع، فإنهم ليضطرون إلى الأكل منها، لأ، هم لا يجدون إلا إياها وما هو في معناها، كما قال تعالى :﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ * لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ﴾ [ الغاشية : ٦-٧ ]، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ تلا هذه الآية وقال :« اتقوا الله حق تقاته، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه؟ ».
وقوله تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ﴾، قال ابن عباس : يعني شرب الحميم على الزقوم، وعنه :﴿ شَوْباً مِنْ حَمِيمٍ ﴾ مزجاً من حميم، وقال غيره : يعني يمزج لهم الحميم بصديد وغساق، مما يسيل من فروجهم وعيونهم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ أنه كان يقول :« يقرب يعني إلى أهل النار ماء فيتكرهه، فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه فيه، فإذا شربه قطع أمعاءه، حتى تخرج من دبره » وروى ابن أبي حاتم، عن سعيد بن جبير قال :« إذا جاع أهل النار استغاثوا بشجرة الزقوم، فأكلوا منها فاختلست جلود وجوههم، فلو أن ماراً مر بهم يعرفهم لعرفهم بوجوههم فيها، ثم يصب عليهم العطش، فيستغيثون فيغاثون بماء كالمهل، وهو الذي قد انتهى حره، فإذا أدنوه من أفواههم اشتوى من حره لحوم وجوههم، التي سقطت عنها الجلود ويصهر ما في بطونهم، فيمشون تسيل أمعاؤهم، وتتساقط جلودهم ثم يضربون بمقامع من حديد، فيسقط كل عضو على حياله يدعون بالثبور »، وقوله عزّ وجلّ :﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم ﴾ أي ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج، وجحيم تتوقد، وسعير تتوهج، كما قال تعالى :


الصفحة التالية
Icon