يقول تعالى منكراً على هؤلاء المشركين في جعلهم لله تعالى البنات ﴿ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [ النحل : ٥٧ ] أي من الذكور، أي يودون لأنفسهم الجيد، ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [ النحل : ٥٨ ] أي يسوؤه ذلك ولا يختار لنفسه إلا البنين، يقول عزّ وجلّ فكيف نسبوا إلى الله تعالى القسم الذي لا يختارونه لأنفسهم، ولهذا قال تعالى :﴿ فاستفتهم ﴾ أي سلهم على سبيل الإنكار عليهم ﴿ أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون ﴾ ؟ كقوله عزّ وجلّ :﴿ أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضيزى ﴾ [ النجم : ٢١-٢٢ ]، وقوله تبارك وتعالى :﴿ أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ أي كيف حكموا على الملائكة أنهم إناث وما شاهدوا خلقهم كقوله جلّ وعلا :﴿ وَجَعَلُواْ الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾ [ الزخرف : ١٩ ] أي يسألون عن ذلك يوم القيامة، وقوله جلت عظمته :﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ ﴾ أي من كذبهم ﴿ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله ﴾ أي صدر منه الولد ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾، فذكر الله تعالى عنهم في الملائكة ثلاثة أقوال في غاية الكفر والكذب : فأولاً جعلوهم ( بنات الله ) فجعلوا لله ولداً تعالى وتقدس، ثُمَّ حجعلوا ذلك الولد ( أنثى ) ثم عبدوهم من دون الله تعالى وتقدس وكل منها كاف في التخليد في نار جهنم، ثم قال تعالى منكراً عليهم :﴿ أَصْطَفَى البنات على البنين ﴾ أي : أي شيء يحمله على أن يختار البنات دون البنين؟ كوله عزّ وجلّ :﴿ أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بالبنين واتخذ مِنَ الملائكة إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلاً عَظِيماً ﴾ [ الإسراء : ٤٠ ]، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ ؟ أي ما لكم عقول تتدبرون بها ما تقولون ﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ ﴾ أي حجة على ما تقولونه، ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ أي هاتوا برهاناً على ذلك يكون مستنداً إلى كتاب منزل من السماء، عن الله تعالى أنه اتخذ ما تقولونه فإن ما تقولونه لا يمكن استناده إلى عقل، بل لا يجوزه العقل بالكلية. وقوله تعالى :﴿ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَباً ﴾ قال مجاهد : قال المشركون : الملائكة بنات الله تعالى، فقال أبو بكر رضي الله عنه : فمن أمهاتهن؟ قالوا : بنات سروات الجن، ولهذا قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة ﴾ أي الذين نسبوا إليهم ذلك ﴿ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ أي إن الذين قالوا ذلك ﴿ لَمُحْضَرُونَ ﴾ في العذاب يوم الحساب، لكذبهم في ذلك وافترائهم وقولهم الباطل بلا علم، قال ابن عباس : زعم أعداء الله أنه تبارك وتعالى هو وإبليس أخوان، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، وقوله جلت عظمته :﴿ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي تعالى وتقدس وتنزه عن أن يكون له ولد، وعما يصفه به الظالمون الملحدون علواً كبيراً، وقوله تعالى :﴿ إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين ﴾ استثنى منهم المخلصين وهم المتبعون للحق المنزل على كل نبي مرسل، وجعل ابن جرير هذا الاستنثاء من قوله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ.. إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين ﴾ وفي هذا الذي قاله نظر، والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon