يقول تعالى مخبراً عن هؤلاء القرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال والنقمات في مخالفة الرسل وتكذيب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد تقدمت قصصهم مبسوطة في أماكن متعددة، وقوله تعالى :﴿ أولئك الأحزاب ﴾ أي كانوا أكثر منكم وأشد قوة وأكثر أموالاً وأولاداً، فما دفع ذلك عنهم من عذاب الله من شيء لما جاء أمر ربك، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل فَحَقَّ عِقَابِ ﴾ فجعل علة إهلاكهم هو تكذيبهم بالرسل، فليحذر المخاطبون من ذلك أشد الحذر، وقوله تعالى :﴿ وَمَا يَنظُرُ هؤلاءآء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ ﴾ قال زيد بن أسلم : أي ليس لها مثنوية، أي ما ينظرون ﴿ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ [ محمد : ١٨ ] أي فقد اقتربت ودنت وأزفت، وهذه الصيحة هي نفخة الفزع التي يأمر الله تعالى إسرافيل أن يطولها، فلا يبقى أحد من أهل السماوات والأرض إلا فزع إلا من استثنى الله عزّ وجلّ، وقوله جلّ جلاله :﴿ وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الحساب ﴾ هذا إنكار من الله تعالى على المشركين في دعائهم على أنفسهم بتعجيل العذاب، فإن القِط هو الكتاب، وقيل : هو الحظ والنصيب، قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك : سألوا بتعجيل العذاب كما قالوا :﴿ اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [ الأنفال : ٣٢ ] وقيل : سألوا تعجيل نصيبهم من الجنة إن كانت موجودة ليلقوا ذاك في الدنيا، وإنما خرج هذا منهم مخرج الاستبعاد والتكذيب، قال ابن جرير : سألوا تعجيل ما يستحقونه من الخير أو الشر في الدنيا، وهذا الذي قاله جيد، ولما كان هذا الكلام منهم على وجه الاستهزاء والاستبعاد قال الله تعالى لرسوله ﷺ آمراً له بالصبر على أذاهم، ومبشراً له على صبره بالعاقبة والنصر والظفر.