يذكر تعالى عن عبده وسوله ( داود ) ﷺ أنه كان ذا أيد، و ( الأيد ) القوة في العلم والعمل، قال ابن عباس : الأيد القوة، وقرأ ابن زيد :﴿ والسمآء بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٧ ] وقال مجاهد : الأيد، القوة في الطاعة. وقال قتادة : أعطي داود ﷺ قوة في العبادة وفقهاً في الإسلام، وقد ذكر لنا أنه ﷺ كان يقوم ثلث الليل، ويصوم نصف الدهر، وهذا ثابت ي « الصحيحين » عن رسول الله ﷺ أنه قال :« أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود، وأحب الصيام إلى لله عزّ وجلّ صيام داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه وينام سدسه، وكان يصوم يوماً ويفطر يوماً ولا يفر إذا لاقى »، وأنه كان ( أوَّاباً ) وهو الرجَّاع إلى الله عزّ وجلّ في جميع أموره، وشؤونه، وقوله تعالى :﴿ إِنَّا سَخَّرْنَا الجبال مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بالعشي والإشراق ﴾ أي أنه تعالى سخر الجبال تسبّح معه عند إشراق الشمس وآخر النهار، كما قال عزّ وجلّ :﴿ ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ والطير ﴾ [ سبأ : ١٠ ] وكذلك كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجّع بترجيعه، إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء، فسمعه وهو يترنم بقراءة الزبور لا يستطيع الذهاب بل يقف في الهواء، ويسبح معه ويجيبه الجبال الشامخات ترجّع معه وتسبح تبعاً له.
ولهذا قال عزَّ وجلَّ :﴿ والطير مَحْشُورَةً ﴾ أي محبوسة في الهواء ﴿ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾ أي مطيع يسبح تبعاً له، قال سعيد بن جبير وقتادة ﴿ كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ ﴾ أي مطيع، وقوله تعالى :﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾ أي جعلنا له ملكاً كاملاً من جميع ما يحتاج إليه الملوك، قال مجاهد : كان أشد أهل الدنيا سلطاناً، وقال السدي : كان يحرسه كل يوم أربعة آلاف، وقوله عزّ وعلا :﴿ وَآتَيْنَاهُ الحكمة ﴾ قال مجاهد : يعني الفهم والعقل والفطنة، وعنه :﴿ الحكمة ﴾ العدل، وقال قتادة : كتاب الله واتباع ما فيه وقال : السدي :﴿ الحكمة ﴾ النبوة، وقوله جلّ جلاله :﴿ وَفَصْلَ الخطاب ﴾ قال شريح القاضي والشعبي : فصل الخطاب : والشهود والأيمان، وقال قتادة : شاهدان على المدعي أو يمين المدعي عليه، وقال مجاهد والسدي : هو إصابة القضاء وفهم ذلك، وقال مجاهد أيضاً : هو الفصل في الكلام وفي الحكم، وهذا يشمل كل ذلك، وهو المراد اختباره ابن جرير، وعن أبي موسى رضي الله عنه، أول من قال :( أما بعد ) داود عليه السلام، وهو فصل الخطاب، وكذا قال الشعبي : فصل الخطاب : أما بعد.


الصفحة التالية
Icon