يخبر تعالى أنه ما خلق الخلق عبثاً، وإنما خلقهم ليعبدوه ويوحّدوه، ثم يجمعهم يوم الجمع فيثيب المطيع ويعذب الكافر، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ ﴾، أي الذين لا يرون بعثاً ولا معاداً، وإنما يعتقدون هذه الدار فقط، ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار ﴾ أي ويل لهم يوم معادهم ونشورهم من النار المعدة لهم، ثم بيَّن تعالى أنه عزّ وجلّ من عدله وحكمته لا يساوي بين المؤمنين والكافرين، فقال تعالى :﴿ أَمْ نَجْعَلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِي الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار ﴾ أي لا نفعل ذلك، ولا يستوون عند الله، وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد من دار أخرى يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها هذا الفاجر، وتدل العقول السليمة والفطر المستقيمة على أنه لا بد من معاد وجزاء، فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه، ويموت كذلك، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلا بد في حكمه الحكيم العليم العادل، الذي لا يظلم مثقال ذرة من إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار فتعين أن هناك داراً أخرى، لهذا الجزاء والمواساة، ولما كان القرآن يرشد إلى المقاصد الصحيحة والمآخذ العقلية الصريحة قال تعالى :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب ﴾ أي ذوو القعول، هي ( الألباب ) جمع لب وهو العقل، وقال الحسن البصري : والله ما تدبره بحفظ حروفه، وإضاعة حدوده، حتى إن أحدهم ليقول : قرأت القرآن كله ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل.