هذا مدح من الله عزَّ وجلَّ لكتابه ( القرآن الكريم ) المنزل على رسوله الكريم. قال الله تعالى :﴿ الله نَزَّلَ أَحْسَنَ الحديث كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ ﴾ قال مجاهد : يعني القرآن كله متشابه مثاني، وقال قتادة : الآية تشبه الآية، والحرف يشبه الحرف، وقال الضحاك ﴿ مَّثَانِيَ ﴾ ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى، وقال عبد الرحمن بن زيد ﴿ مَّثَانِيَ ﴾ مردَّد، ردد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أمكنة كثيرة، وقال ابن عباس ﴿ مَّثَانِيَ ﴾ أي القرآن يشبه بعضه بعضاً ويُرَدُّ بعضه على بعض. وقوله تعالى :﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ﴾ أي هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، والمهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ﴿ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ﴾، لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه : أحدها : أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات. الثاني : أنهم إذا عليهم آيات الرحمن ﴿ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ [ مريم : ٥٨ ] بأدب وخشية، ورجاء ومحبة، وفهم وعلم، كما قال تبارك وتعالى :﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾ [ الفرقان : ٧٣ ] أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم الثالث : أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، لم يكونوا يتصارخون، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية، مالا يلحقهم أحد في ذلك، تلا قتادة رحمه الله :﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إلى ذِكْرِ الله ﴾ قال : هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عزّ وجلّ بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان، وقال السدي ﴿ إلى ذِكْرِ الله ﴾ أي إلى وعد الله، وقوله :﴿ ذلك هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [ الأنعام : ٨٨ ] أي هذه صفة من هداه الله، ومن كان على خلاف ذلك، فهو ممن أضله الله ﴿ وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.


الصفحة التالية
Icon