يقول عزّ وجلّ مخاطباً للمشركين الذين افتروا على الله، وجعلوا معه آلهة أُخرى، وادعوا أن الملائكة بنات الله، وجعلوا لله ولداً تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ علَى الله وَكَذَّبَ بالصدق إِذْ جَآءَهُ ﴾ أي لا أحد أظلم من هذا، لأنه جمع بين طرفي الباطل : كذب على الله، وكذّب رسول الله ﷺ، قال الباطل، ورد الحق، ولهذا قال جلت عظمته متوعداً لهم ﴿ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ ﴾ ؟ وهم الجاحدون المكذبون، ثم قال جل وعلا ﴿ والذي جَآءَ بالصدق وَصَدَّقَ بِهِ ﴾، قال مجاهد وقتادة :﴿ والذي جَآءَ بالصدق ﴾ هو الرسول ﷺ، وقال السدي : هو جبريل عليه السلام، ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ يعني محمداً ﷺ، وقال ابن عباس : من جاء بلا إلا إلا الله ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ يعني رسول الله ﷺ وقيل : أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة، فيقولون : هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا، وهذا القول يشمل كل المؤمنين، فإن المؤمنين يقولون الحق ويعملون به، والرسول ﷺ أولى الناس بالدخول في هذه الآية، فإنه جاء بالصدق وصدّق المرسلين، وآمن بما أنزل إليه من ربه، وقال ابن زيد :﴿ والذي جَآءَ بالصدق ﴾ هو رسول الله ﷺ ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ قال المسلمون ﴿ أولئك هُمُ المتقون ﴾ قال ابن عباس : اتقوا الشرك ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ يعني في الجنة، مهما طلبوا وجدوا ﴿ ذَلِكَ جَزَآءُ المحسنين * لِيُكَفِّرَ الله عَنْهُمْ أَسْوَأَ الذي عَمِلُواْ وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ كما قال عزّ وجلّ في الآية الأخرى :﴿ أولئك الذين نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ في أَصْحَابِ الجنة وَعْدَ الصدق الذي كَانُواْ يُوعَدُونَ ﴾ [ الأحقاف : ١٦ ].