يقول تعالى مخاطباً رسوله محمداً ﷺ :﴿ إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب ﴾ يعني القرآن ﴿ لِلنَّاسِ بالحق ﴾ أي لجميع الخلق من الإنس والجن، لتنذرهم به، ﴿ فَمَنِ اهتدى فَلِنَفْسِهِ ﴾ أي فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه، ﴿ وَمَن ضَلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ﴾ أي إنما يرجع وبال ذلك على نفسه، ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ أي بموكل أن يهتدوا، ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ ﴾ [ هود : ١٢ ]، ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ وَعَلَيْنَا الحساب ﴾ [ الرعد : ٤٠ ] ثم قال تعالى مخبراً عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء، وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان، والوفاة الصغرى عند المنام، كما قال تبارك وتعالى :﴿ وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم باليل وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار ﴾ [ الأنعام : ٦٠ ] الآية، وقال :﴿ حتى إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ الموت تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ ﴾ [ الأنعام : ٦١ ]، فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى، وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت وَيُرْسِلُ الأخرى إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾، فيه دلالة على أنها تجتمع في الملأ الأعلى، كما ورد في « الصحيحين » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخله إزاره، فإنه لا يدري ما خَلَفه عليه، ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فأرحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين »، وقال بعض السلف : يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف ﴿ فَيُمْسِكُ التي قضى عَلَيْهَا الموت ﴾ التي قد ماتت، ويرسل الأُخرى إلى أجل مسمى، قال السدي : إلى بقية أجلها، وقال ابن عباس : يمسك أنفس الأموات، ويرسل أنفس الأحياء، ولا يغلظ ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.