يخبر تعالى عن الملائكة المقربين من حملة العرش الأربعة، ومن حوله الملائكة من الكروبيين، بأنهم ﴿ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ﴾ أي يقرنون بين التسبيح الدال على نفي النقائص، والتحميد المقتضي لإثبات صفات المدح، ﴿ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي خاشعون له أذلاء بين يديه، وأنهم ﴿ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي من أهل الأرض من آمن بالغيب، فقيض الله تعالى ملائكته المقربين أن يدعو للمؤمنين بظهر الغيب، ولما كان هذا من سجايا الملائكة عليهم الصلاة والسلام كانوا يؤمِّنون على دعاء المؤمن لأخي بظهر الغيب، كما ثبت في الصحيح :« إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك آمين ولك بمثله » قال شهر بن حوشب رضي الله عنه : حملة العرش ثمانية، أربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على حلمك بعد علمك، وأربعة يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولهذا يقولون إذا اسغفروا للذين آمنوا :﴿ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً ﴾ أي رحمتك تسع ذنوبهم وخطاياهم، وعلمك محيط بجميع أعمالهم وأقوالهم وحركاتهم وسكناتهم ﴿ فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ واتبعوا سَبِيلَكَ ﴾، أي فاصفح عن المسيئين إذا تابوا وأنابوا، وأقلعوا عما كان فيه، واتبعوا ما أمرتهم به من فعل الخير وترك المنكرات، ﴿ وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم ﴾ أي وزحزحهم عن عذاب الجحيم وهو العذاب الموجع الأليم، ﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ أي اجمع بينهم وبينهم لتقر بذلك أعينهم بالاجتماع في منازل متجاورة، كما قال تبارك وتعالى :﴿ والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ﴾ [ الطور : ٢١ ] أي ساوينا بين الكل في المنزلة لتقر أعينهم، وما نقصنا العالي حتى يساوي الداني، بل رفعنا ناقص العمل فساويناه بكثير العمل، تفضلاً منها ومنه. وقال سعيد بن جبير : إن المؤمن إذا دخل الجنة سأل عن أبيه وابنه وأخيه اين هم؟ فيقال : إنهم لم يبلغوا طبقتك في العمل، فيقول : إني إنما عملت لي ولهم فيلحقون به في الدرجة، ثم تلا سعيد بن جبير هذه الآية :﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَآئِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾، وقوله تبارك وتعالى :﴿ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾ أي الذي لا يمانع ولا يغالب، ﴿ وَقِهِمُ السيئات ﴾ أي فعلها، أو وبالها ممن وقعت منه، ﴿ وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم القيامة ﴿ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ﴾ أي لطفت به ونجيته من العقوبة ﴿ وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم ﴾.


الصفحة التالية
Icon