يقول تعالى مخبراً عن عظمته وكبريائه، وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته، كالسقف لها كما قال تعالى :﴿ تَعْرُجُ الملائكة والروح إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [ المعارج : ٤ ]. وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة، وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة، وقوله تعالى :﴿ يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾، كقوله جلت عظمته :﴿ يُنَزِّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أنذروا أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ فاتقون ﴾ [ النحل : ٢ ]، وكقوله تعالى :﴿ نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين ﴾ [ الشعراء : ١٩٣-١٩٤ ]، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق ﴾، قال ابن عباس :﴿ يَوْمَ التلاق ﴾ اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده، يلتقي فيه آدم وآخر ولده، وقال ابن زيد : يلتقي فيه العباد؟ وقال قتادة والسدي : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق، وقال ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم، وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عمله من خير وشرك ما قال آخرون. وقوله جلّ جلاله :﴿ يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ ﴾ أي ظاهرون بادون كلهم، لا شيء يكنهم ولا يظلمهم ولا يسترهم، ﴿ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار ﴾ قد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السماوات والأرض بيده، ثم يقول : أنا الملك، أنا الجبار، أنا المتكبر، أين ملوك الأرض؟ أي الجبارون؟ وفي حديث الصور أنه عزّ وجلّ إذا قبض أرواح جميع خلقه، فلم يبق سواه وحده لا شريك له، حينئذٍ يقول :﴿ لِّمَنِ الملك اليوم ﴾ ؟ ثلاث مرات، ثم يجيب نفسه قائلاً :﴿ لِلَّهِ الواحد القهار ﴾ أي الذي قهر كل شيء وغلبه، وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات، قال، وينزل الله عزّ وجلّ إلى السماء الدنيا ويقول :﴿ لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار ﴾، وقوله جلّت عظمته :﴿ اليوم تجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لاَ ظُلْمَ اليوم إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾، يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه، أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر، بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة، ولهذا قال تبارك وتعالى :﴿ لاَ ظُلْمَ اليوم ﴾، كما ثبت في « صيحيح مسلم » :« يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا - إلى أن قال - يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم أياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله تبارك وتعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلى نفسه »، وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب ﴾ أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفساً واحدة، كما قال جلّ وعلا :﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ [ لقمان : ٢٨ ].


الصفحة التالية
Icon