يقول تعالى مسلياً لنبيّه محمد ﷺ في تكذيب من كذبه من قومه، ومبشراً له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة كما جرى لموسى بن عمران عليه السلام، فإن الله تعالى أرسله بالآيات البينات، والدلائل الواضحات ولهذا قال تعالى :﴿ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ والسلطان هو الحجة والبرهان، ﴿ إلى فِرْعَوْنَ ﴾ وهو ملك القبط بالديار المصرية، ﴿ وَهَامَانَ ﴾ وهو وزيره في مملكته ﴿ وَقَارُونَ ﴾ وكان أكثر الناس في زمانه مالاً وتجارة، ﴿ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَذَّابٌ ﴾ أي كذبوه وجعلوه ساحراً مجنوناً، مموّهاً كذاباً في أن الله جل وعلا أرسله وهذه كقوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ مَآ أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ﴾ [ الذاريات : ٥٢ ]، ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمْ بالحق مِنْ عِندِنَا ﴾ أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله تعالىّ أرسله إليهم، ﴿ قَالُواْ اقتلوا أَبْنَآءَ الذين آمَنُواْ مَعَهُ واستحيوا نِسَآءَهُمْ ﴾، وهذا أمر ثاني من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل، أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى، أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم، أو لمجموع الأمرين، واما الأمر الثاني فلإهانة هذا الشعب، ولكي يتشاءموا بموسى عليه السلام، ولهذا قالوا :﴿ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ [ الأعراف : ١٢٩ ]، قال الله عزّ وجلّ :﴿ وَمَا كَيْدُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ أي وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب وهالك في ضلال ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذروني أَقْتُلْ موسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾، وهذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى على قتل موسى ﷺ ؛ أي قال لقومه دعون حتى أقتل لكم هذا ﴿ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ﴾ أي لا أبالي منه، وهذا في غاية الجحد والعناد ﴿ إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد ﴾ يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم، وهذا كما يقال في المثل : صار فرعون مذكراً، يعني واعظاً، يشفق على الناس من موسى عليه السلام، ﴿ وَقَالَ موسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب ﴾ أي لما بلغه قول فرعون ﴿ ذروني أَقْتُلْ موسى ﴾ قال موسى عليه السلام : استجرت بالله، وعذت به من شره وشر أمثاله، ولهذا قال :﴿ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾ أيها المخاطبون ﴿ مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ ﴾ أي عن الحق مجرم ﴿ لاَّ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحساب ﴾، ولهذا جاء في الحديث « أن رسول الله ﷺ كان إذا خاف قوماً قال :» اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم، وندرأ بك في نحورهم « ».