يقول تعالى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق، إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى، فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم، كما حلَّت بالأُمم الماضين من المكذبين بالمرسلين ﴿ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ أي ومن شاكلهما ممن فعل كفعلهما، ﴿ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾، كقوله تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَتِ النذر مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ﴾ [ الأحقاف : ٢١ ] أي ما أحل الله بأعدائه من النقم، وما ألبس أولياءه من النعم، ومع هذا ما آمنوا ولا صدقوا بل كذبوا وجحدوا وقالوا :﴿ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً ﴾ أي لو أرسل الله رسلاً لكانوا ملائكة من عنده ﴿ فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ ﴾ أي أيها البشر ﴿ كَافِرُونَ ﴾ أي لا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا، قال الله تعالى :﴿ فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض ﴾ أي بغوا وعتوا وعصوا ﴿ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾ ؟ أي منوا بشدة تركيبهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله، ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي أفما يتفكرون فيمن يبارزون بالعداوة، فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها، وأن بطشه شديد فلهذا قال :﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً ﴾ قال بعضهم : وهي شديدة الهبوب، وقيل : الباردة، وقيل : هي التي لها صوت. والحق أنها متصفة بجميع ذلك، فإنها كانت ريحاً شديدة قوية، وكانت باردة شديدة البرد جداً، وكانت ذات صوت مزعج. وقوله تعالى :﴿ في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ ﴾ أي متتابعات كقوله :﴿ فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ ﴾ [ القمر : ١٩ ] أي ابتدِئوا بهذا العذاب في يوم نحس عليهم واستمر بهم هذا النحس ﴿ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً ﴾ [ الحاقة : ٧ ] حتى أبادهم عن آخرهم، واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة، ولهذا قال :﴿ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى ﴾ أشد خزياً لهم، ﴿ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ أي في الأخرى كما لم ينصروا في الدنيا، وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ ﴾ قال ابن عباس : بيّنّا لهم، وقال الثوري : دعوناهم ﴿ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى ﴾ أي بصرناهم وبيّنّا لهم ووضَّحنا لهم الحق على لسان نبيّهم صالح ﷺ، وفخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى التي جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم، ﴿ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العذاب الهون ﴾ أي بعث الله عليهم صيحة ورجفة، وذلاً وهواناً، وعذاباً ونكالاً، ﴿ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ أي من التكذيب والجحود، ﴿ وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ ﴾ أي من بين أظهرهم لم يمسهم سوء، ولا نالهم من ذلك ضرر، بل نجاهم الله تعالى مع نبيهم صالح ﷺ بإيمانهم وتقواهم لله عزّ وجلّ.


الصفحة التالية
Icon