يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين، وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته، وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن، ﴿ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ أي حسنوا لهم أعمالهم فلم يروا أنفسهم إلا محسنين، كما قال تعالى :﴿ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السبيل وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ [ الزخرف : ٣٧ ]، وقوله :﴿ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول ﴾ أي كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم، ممن فعل كفعلهم من الجن والإنس، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ﴾ أي استووا هم وإياهم في الخسار والدمار، وقوله تعالى :﴿ وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن ﴾ أي تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا القرآن ولا ينقادوا لأوامره، ﴿ والغوا فِيهِ ﴾ أي إذا تلي لا تسمعوا له، كما قال مجاهد :﴿ والغوا فِيهِ ﴾ يعني بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله ﷺ إذا قرأ القرآن وكانت قريش تفعله، وقال الضحاك عن ابن عباس :﴿ والغوا فِيهِ ﴾ عيبوه، وقال قتادة : اجحدوا به وأنكروه وعادوه، ﴿ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ هذا حال هؤلاء الجهلة من الكفار ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بخلاف ذلك، فقال تعالى :﴿ وَإِذَا قُرِىءَ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠٤ ]، ثم قال عزّ وجلّ ﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً ﴾ أي في مقابلة ما اعتقدوه في القرآن وعند سماعه، ﴿ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ أي بشر أعمالهم وسيء أفعالهم، ﴿ ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله النار لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ * وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا الذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين ﴾. عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى :﴿ الذين أَضَلاَّنَا ﴾ قال : إبليس وابن آدم الذي قتل آخاه، فإبليس الداعي إلى كل شرّ من شرك فيما دونه، وابن آدم الأول كما ثبت في الحديث :« ما قتلت نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل »، وقولهم :﴿ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا ﴾ أي أسفل منا من العذاب ليكونا أشد عذاباً منا، ولهذا قالوا ﴿ لِيَكُونَا مِنَ الأسفلين ﴾ أي في الدرك الأسفل من النار، كما تقدم في الأعراف في سؤال الأتباع من الله تعالى أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم، ﴿ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ ولكن لاَّ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٣٨ ] أي أنه تعالى قد أعطى كلاً منهم ما يستحقه من العذاب و النكال بحسب عمله وإفساده، كما قال تعالى :﴿ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ العذاب بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ ﴾ [ النحل : ٨٨ ].


الصفحة التالية
Icon