يقول تعالى : وكما أوحينا إلى الأنبياء قبلك ﴿ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ أي واضحاً جلياً بيِّناً ﴿ لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى ﴾ وهي مكة، ﴿ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ أي من سائر البلاد شرقاً وغرباً، وسميت مكة ( أم القرى ) لأنها أشرف من سائر البلاد لأدله كثيرة منها قول رسول الله ﷺ :« والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت » وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَتُنذِرَ يَوْمَ الجمع ﴾ وهو يوم القيامة يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، وقوله تعالى :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي لا شك في وقوعه وأنه كائن لا محالة ﴿ فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير ﴾، كقوله تعالى :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ التغابن ﴾ [ التغابن : ٩ ] أي يغبن أهل الجنة أهل النار، وكقوله عزّ وجل :﴿ يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴾ [ هود : ١٠٥ ]. روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :« خرج علينا رسول الله ﷺ وفي يده كتابان، فقال :» أتدرون ما هذان الكتابان «؟ قلنا : لا، إلا أن تخبرنا يا رسول الله، قال ﷺ للذي في يمينه :» هذا كتاب من رب العالمين بأسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، وثم أجمل على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، ثم قال ﷺ للذي في يساره :« هذا كتاب أهل النار بأسمائهم وأسماء آبائهم وقبائلهم »، ثم أجمع على آخرهم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبداً، فقال أصحاب رسول الله ﷺ : فلأي شيء نعمل إن كان هذا أمر قد فرغ منه؟ قال رسول الله ﷺ :« سدّدوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل »، ثم قال ﷺ بيده فقبضها، ثم قال :« فرغ ربكم عزّ وجلّ من العباد، ثم قال باليمنى فنبذ بها فقال : فريق في الجنة، ونبذ باليسرى وقال : فريق في السعير » «.
وقوله تبارك وتعالى :﴿ وَلَوْ شَآءَ الله لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي إما على الهداية أو على الضلالة، ولكنه تعالى فاوت بينهم، فهدى من يشاء إلى الحق، وأضل من يشاء عنه، وله الحكمة والحجة البالغة، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ ولكن يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمون مَا لَهُمْ مِّن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾ وقال ابن جرير : إن موسى ﷺ قال : يا رب خلقك الذين خلقتهم، جعلت منهم فريقاً في الجنة وفريقاً في النار، لو ما أدختلم كلهم الجنة؟ فقال : يا موسى أرفع درعك، فرفع، قال : قد رفعت، قال : ارفع، فرفع، فلم يترك شيئاً، قال : يا رب قد رفعت، قال : ارفع، قال : قد رفعت، إلا ما لا خير فيه، قال : كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه.


الصفحة التالية
Icon