يقول تعالى ممتناً على عباده بقبول توبتهم إذا تابوا ورجعوا إليه، أنه من كرمه وحلمه يعفوا ويصفح، ويستر ويغفر، كقوله عزّ وجلّ :﴿ وَمَن يَعْمَلْ سواءا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يَجِدِ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ [ النساء : ١١٠ ]، وقد ثبت في « صحيح مسلم »، عن أنَس بن مالك قال :« قال رسول الله ﷺ :» لله تعالى أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه ونعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة معنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأبا ربك، أخطأ من شدة الفرح « وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَيَعْفُواْ عَنِ السيئات ﴾ أي يقبل التوبة في المستقبل ويعفو عن السيئات في الماضي، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ أي هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم، ومع هذا يتوب على من تاب إليه، وقوله تعالى :﴿ وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ قال السدي : يعني يستجيب لهم، أي الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم، ﴿ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ أي يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا بقية، حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكِنْدي، حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال :» قال رسول الله ﷺ :« في قوله تعالى :﴿ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ قيل : الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفاً في الدنيا » « وقال إبراهيم النخعي في قوله عزّ وجلّ :﴿ وَيَسْتَجِيبُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ قال : يشفعون في إخوانهم، ﴿ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾، قال : يشفعون في إخوان إخوانهم، وقوله عزّ وجلّ :﴿ والكافرون لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.
وقوله تعالى :﴿ وَلَوْ بَسَطَ الله الرزق لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي الأرض ﴾ أي لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان، من بعضهم على بعض أشراً وبطراً، وقال قتادة : وكان يقال خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك، وذكر قتادة حديث :» إنما أخاف عليكم ما يخرج الله تعالى من زهرة الحياة الدنيا « وقوله عزّ وجلّ :﴿ ولكن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ﴾ أي ولكن يرزقهم من الرقز ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك، فيغني من يستحق الغنى، ويفقر من يستحق الفقر، كما جاء في الحديث المروي :» إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه «