يقول تعالى محقراً لشأن الحياة الدنيا وزينتها، وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني بقوله تعالى :﴿ فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الحياة الدنيا ﴾ أي مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به، فإنما هو متاع الحياة الدنيا، وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة، ﴿ وَمَا عِندَ الله خَيْرٌ وأبقى ﴾ أي وثواب الله تعالى خبر من الدنيا وهو باق سرمدي، فلا تقدموا الفاني على الباقي، ولهذا قال تعالى :﴿ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا ﴿ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أي ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات. ثم قال تعالى :﴿ والذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم والفواحش ﴾ وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في سورة الأعراف، ﴿ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ ﴾ أي سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، وقد ثبت في الصحيح :« أن رسول الله ﷺ ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله » وفي حديث آخر كان يقول لأحدنا عند المعتبة :« ما له تربت يمينه »، وقوله عزّ وجلّ :﴿ والذين استجابوا لِرَبِّهِمْ ﴾ أي اتبعوا رسله وأطاعوا أمره واجتنبوا زجره، ﴿ وَأَقَامُواْ الصلاة ﴾ وهي أعظم العبادات الله عزّ وجلّ، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ ﴾ أي لا يبرمون أمراً حتى يتشاوروا فيه، ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها، كما قال تبارك وتعالى :﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] الآية، ولهذا كان ﷺ يشاروهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك، قلوبهم، ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ وذلك بالإحسان إلى خلق الله الأقرب إليهم منهم فالأقرب، وقوله عزّ وجلّ :﴿ والذين إِذَآ أَصَابَهُمُ البغي هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾ أي فيهم قوة الأنتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم، ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين، بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم، وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا، كما عفا رسول الله ﷺ عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية، وكذلك عفوه ﷺ عن ( غورث بن الحارث ) الذي أراد الفتك به حين اخترط سيفه وهو نائم، وكذلك عفا ﷺ عن ( لبيد بن الأعصم ) الذي سحره عليه السلام، ومع هذا لم يعرض له و لا عاتبه مع قدرته عليه؛ والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جداً والله سبحانه وتعالى أعلم.