هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الرب جل وعلا، فتارة يقذف في روع النبي ﷺ وحياً لا يتمارى فيه أنه من الله عزّ وجلّ، كما جاء في « صحيح ابن حبان » عن رسول الله ﷺ أنه قال :« إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب »، وقوله تعالى :﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ﴾ أي كما كلّم موسى ﷺ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها. وفي الصحيح أن رسول الله ﷺ قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما :« ما كلّم الله أحداً إلا من وراء حجاب وإنه كلَّم أباك كفاحاً » كذا جاء في الحديث، وكان قد قتل يوم أُحُد ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنماهي الدار الدنيا. وقوله عزّ وجلّ :﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ ﴾ كما ينزل جبريل ﷺ وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ﴿ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾ فهو علي عليم، خبير حكيم، وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ يعني القرآن، ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ﴾ أي على التفصيل الذي شرع لك في القرآن، ﴿ ولكن جَعَلْنَاهُ ﴾ أي القرآن ﴿ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾، كقوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ والذين لاَ يُؤْمِنُونَ في آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [ فصلت : ٤٤ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّكَ ﴾ أي يا محمد ﴿ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ وهو الخلق القويم، ثم فسره بقوله تعالى :﴿ صِرَاطِ الله ﴾ أي شرعه الذي أمره به الله، ﴿ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض ﴾ أي ربهما وما لكهما والمتصرف فيهما والحاكم الذي لا معقب لحكمه، ﴿ أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور ﴾ أي ترجع الأمور فيفصلها ويحكم فيها، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً.