لما ذكر تعالى حال السعداء ثنَّى بذكر الأشقياء، فقال :﴿ إِنَّ المجرمين فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ ﴾ أي ساعة واحدة ﴿ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ أي آيسون من كل خير، ﴿ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ ولكن كَانُواْ هُمُ الظالمين ﴾ أي بأعمالهم السيئة بعد قيام الحجة عليهم، وإرسال الرسل إليهم فكذبوا وعصوا فجوزوا بذلك جزاء وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد، ﴿ وَنَادَوْاْ يامالك ﴾ وهو خازن النار، ﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾ أي يقبض أرواحنا فيريحنا مما نحن فيه، فإنهم كما قال تعالى :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ]، وقال عزّ وجلّ :﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [ الأعلى : ١٣ ]، فلما سألوا أن يموتوا أجابهم مالك ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ قال ابن عباس : مكث ألف سنة، ثم قال :﴿ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ أي لا خروج لكم منها ولا محيد لكم عنها، ثم ذكر سبب شقوتهم وهو مخالفتم للحق ومعاندتهم له فقال :﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُم بالحق ﴾ أي بيناه لكم ووضحناه وفسرناه ﴿ ولكن أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ أي ولكن كانت سجاياكم لا تقبله ولا تقبل عليه، وإنما تنقاد للباطل وتعظمه، وتصد عن الحق وتأباه، فعودوا على أنفسكم بالملامة، واندموا حيث لا تنفعكم الندامة، ثم قال تبارك وتعالى :﴿ أَمْ أبرموا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ ﴾، قال مجاهد : أرادوا كيد شر فكدناهم، وذلك لأن المشركين كانوا يتحيلون في رد الحق بالباطل بحيل ومكر يسلكونه، فكادهم الله تعالى ورد وبال ذلك عليهم، ولهذا قال :﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ﴾، أي سرهم وعلانيتهم ﴿ بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ أي نحن نعلم ما هم عليه، والملائكة أيضاً يكتبون أعمالهم صغيرها وكبيرها.