يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد ﴿ وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا ﴾ أي ما ثَمَّ إلاّ هذه الدار، يموت قوم ويعيش آخرون، وما ثم معاد ولا قيامة، وهذا يقوله مشركو العرب المنكرون المعاد، وتقوله الفلاسفة الدهرية المنكرون للصانع، المعتقدون أن في كل ستة وثلاثن ألف سنة يعود كل شيء إلى ما كان عليه، وزعموا أن هذا قد تكرر مرات لا تتناهى، فكابروا العقول وكذبوا المنقول، ولهذا قال :﴿ وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر ﴾ قال الله تعالى :﴿ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ ﴾ أي يتوهمون ويتخيلون، فأما الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ :« يقول تعالى يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر فإن الله تعالى هو الدهر » فقد قال الشافعي وأبو عبيدة في تفسير الحديث : كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة، قالوا :« يا خيبة الدهر » فيسندون تلك الأفعال إلى الدهر، ويسبونه، وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنهم إنما سبوا الله عزّ وجلّ، لأنه فاعل ذلك في الحقيقة، فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله تعالى هو الدهر الذي يعنونه ويسندون إليه تلك الأفعال، هذا أحسن ما قيل في تفسيره وهو المراد، والله أعلم. وقوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾ أي إذا بيّن لهم الحق، وأن الله تعالى قادر على إعادة الأبدان بعد فنائها وتفرقها ﴿ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتوا بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، أي أحيوهم إن كان ما تقولونه حقاً، قال الله تعالى :﴿ قُلِ الله يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ أي كما تشاهدون ذلك يخرجكم من العدم إلى الوجود، ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٨ ] اي الذي قدر على البداءة قادر على الإعادة بطريق الأولى والأحرى، ﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ] ﴿ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إلى يَوْمِ القيامة لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي لا شك فيه ﴿ ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي فلهذا ينكرون المعاد ويستبعدون قيام الأجساد، قال الله تعالى :﴿ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً ﴾ [ المعارج : ٦-٧ ] أي يرون وقوعه بعيداً، والمؤمنون يرون ذلك سهلاً قريباً.


الصفحة التالية
Icon