يخبر تعالى أنه مالك السماوات والأرض، والحاكم فيهما في الدنيا والآخرة، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة ﴾ أي يوم القيامة ﴿ يَخْسَرُ المبطلون ﴾ وهم الكافرون بالله والجاحدون بما أنزله على رسله، من الآيات البينات والدلائل الواضحات، ثم قال تعالى :﴿ وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ أي على ركبها من الدشة والعظمة، ويقال : إن هذا إذا جيء بجهنم، فإنها تزفر زفرة لا يبقى أحد إلاّ جثا لركبتيه، حتى إبراهيم الخليل ﷺ، ويقول نفسي نفسي نفسي، لا أسألك اليوم إلاّ نفي، وحتى إن عيسى ﷺ ليقول : لا أسألك اليوم إلاّ نفسي، لا أسألك مريم التي ولدتني، قال مجاهد ﴿ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ أي على الركب، وقال عكرمة ﴿ جَاثِيَةً ﴾ متميزة على ناحيتها، وليس على الركب، والأول أولى لما روي عن عبد الله بن باباه أن رسول الله ﷺ قال :« كأني أراكم جاثين بالكوم دون جهنم »، وقال محمد بن كعب عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً في حديث الصور : فيتميز الناس، وتجثو الأمم، وهي التي يقول الله تعالى :﴿ وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا ﴾ وهذا فيه جمع بين القولين، ولا منافاة والله أعلم، وقوله عزّ وجلّ :﴿ كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا ﴾ يعني كتاب أعمالها كقوله جلّ جلاله :﴿ وَوُضِعَ الكتاب وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء ﴾ [ الزمر : ٦٩ ]، ولهذا قال سبحانه وتعالى :﴿ اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي تجازون بأعمالكم خيرها وشرها، كقوله عزّ وجلّ :﴿ يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ ﴾ [ القيامة : ١٣ ]، ولهذا قال جلَّت عظمته :﴿ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق ﴾ أي يستحضر جميع أعمالكم من غيره زيادة ولا نقص، كقوله جلّ جلاله :﴿ وَوُضِعَ الكتاب فَتَرَى المجرمين مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ ياويلتنا مَالِ هذا الكتاب لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [ الكهف : ٤٩ ]، وقوله عزّ جلّ :﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ أي إنا كنا نأمر الحفظة أن تكتب أعمالكم عليكم، قال ابن عباس وغيره : تكتب الملائكة أعمال العباد، ثم تصعد بها إلى السماء، فيقابل الملائكة الذين في ديوان الأعمال على ما بأيدي الكتبة، مما قد أبرز لهم من اللوح المحفوظ في كل ليلة قدر مما كتبه الله في القدم على العباد قبل أن يخلقهم، فلا يزد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ثم قرأ :﴿ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon