يقول تعالى : أو لم ير هؤلاء المنكرون للبعث، المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد ﴿ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ ﴾ أي ولم يكرثه خلقهن بل قال لها : كوني فكانت، بلا ممانعة ولا مخالفة، بل طائعة مجيبة خائفة وجلة، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ كما قال عزّ وجلّ في الآية الأُخرى :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [ غافر : ٥٧ ]، ولهذا قال تعالى :﴿ بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ ثم قال جلّ جلاله متهدداً ومتوعداً لمن كفره به :﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ على النار أَلَيْسَ هذا بالحق ﴾ ؟ أي يقال لهم : أما هذا حق؟ أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟ ﴿ قَالُواْ بلى وَرَبِّنَا ﴾ أي لا يسعهم إلاّ الاعتراف، ﴿ قَالَ فَذُوقُواْ العذاب بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾، ثم قال تبارك وتعالى آمراً رسوله ﷺ بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه ﴿ فاصبر كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ العزم مِنَ الرسل ﴾ أي على تكذيب قومهم لهم، ﴿ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ ﴾ أي لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تعالى ﴿ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً ﴾ [ المزمل : ١١ ]، وكقوله تعالى :﴿ فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً ﴾ [ الطارق : ١٧ ] ﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ ﴾ كقوله عزَّ وجلَّ :﴿ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يلبثوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾ [ النازعات : ٤٦ ]، وكقوله عزّ وجلّ :﴿ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يلبثوا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النهار يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ ﴾ [ يونس : ٤٥ ] الآية، وقوله جل وعلا :﴿ بَلاَغٌ ﴾ تقديره هذا القرآن بلاغ، وقوله تعالى :﴿ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ القوم الفاسقون ﴾ ؟ أي لا يهلك إلا هالك، وهذا من عدله عزَّ وجلَّ، أنه لا يعذب إلاّ من يستحق العذاب والله أعلم.