يقول تعالى :﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي على بصيرة ويقين في أمر الله ودينه، بما أنزل الله في كتابه من الهدى والعلم، وبما جبله الله عليه من الفطرة المستقيمة، ﴿ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ ؟ أي ليس هذا كهذا، كقوله تعالى :﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحق كَمَنْ هُوَ أعمى ﴾ [ الرعد : ١٩ ] ثم قال تعالى :﴿ مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون ﴾ قال عكرمة ﴿ مَّثَلُ الجنة ﴾ أي نعتها، ﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ ﴾ يعني غير متغير، والعرب تقول : أَسِنَ الماءُ إذا تغير ريحه، وفي حديث مرفوع ﴿ غَيْرِ آسِنٍ ﴾ يعني الصافي الذي لا كدر فيه، وقال عبد الله رضي الله عنه : أنهار الجنة تفجر من جبل مسك ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ بل في غاية البياض والحلاوة والدسومة، وفي حديث مرفوع :« لم يخرج من ضروع الماشية »، ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ أي ليست كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل حسنة المنظر والطعم والرائحة، ﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ [ الصافات : ٤٧ ] ﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ ﴾ [ الواقعة : ١٩ ]، وفي حديث مرفوع :« لم يعصرها الرجال بأقدامهم » ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ أي وهو في غاية الصفاء وحسن اللون والطعم والريح، وفي حديث مرفوع :« لم يخرج من بطون النحل ». روى الإمام أحمد عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول :« في الجنة بحر اللبن وبحر الماء، وبحر العسل وبحر الخمر، ثم تشقق الأنهار منها بعد » وفي الصحيح :« إذا سألتم الله تعالى فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، ومنه تفجَّر أنهار الجنة وفوقه عرش الرحمن »، وقال الحافظ الطبراني عن عاصم « أن لقيط بن عامر خرج وافداً إلى رسول الله ﷺ، قلت : يا رسول الله فعلى ما نطلع من الجنة؟ قال ﷺ :» على أنهار من عسل مصفى، وأنهار من خمر ما بها صداع ولا ندامة، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وماء غير آسن، وفاكهة لعمر إلهك ما تعلمون، وخير من مثله، وأزواج مطهرة «، قلت يا رسول الله أو لنا فيها أزواج مصلحات؟ فقال :» الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير أن لا توالد « وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لعلكم تظنون أن أنهار الجنة تجري في أخدود في الأرض، والله إنها لتجري سائحة على وجه الأرض حافاتها قباب اللؤلؤ، وطينها المسك الأذفر.
وقوله تعالى :﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات ﴾ كقوله عزَّ وجلَّ :﴿ يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ ﴾ [ الدخان : ٥٥ ]، وقوله : سبحانه وتعالى :﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ أي مع ذلك كله، وقوله سبحانه وتعالى :﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار ﴾ أي أهؤلاء الذين ذكرنا منزلتهم من الجنة، كمن هو خالد في النار؟ ليس هؤلاء كهؤلاء، وليس من هو في الدرجات كمن هو في الدركات، ﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً ﴾ أي حاراً شديد الحر لا يستطاع، ﴿ فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾ أي قطع ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء، عياذاً بالله تعالى من ذلك.