يقول تعالى :﴿ أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ ﴾ ؟ أي أيعتقد المنافقون أن الله لا يشكف أمرهم لعباده المؤمنين؟ بل سيوضح أمرهم ويجليه حتتى يفهمه ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة فبين فيها فضائحهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة، والأضغان جمع ضغن وهو ما في النفوس من الحسد والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره، وقوله تعالى :﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾، ويقول عزَّ وجلَّ : ولو نشاء يا محمد لأريناك أشخاصهم فعرفتهم عياناً، ولكن لم يفعل تعالى ذلك في جميع المنافقين، ستراً منه على خلقه، وحملاً للأمور على ظاهر السلامة، ورداً للسرائر إلى عالمها ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول ﴾ أي فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم، يفهم المتكلم من أي الحزبين هو بمعاني كلامه وفحواه، وهو المراد من لحن القول، كما قال أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه : ما أسر أحد سريرة إلاّ أبداها الله على صفحات وجهه، وفلتات لسانه، وفي الحديث :« ما أسر أحد سريرة إلاّ كساه الله تعالى جلبابها، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر »، وقد ورد في الحديث تعيين جماعة من المنافقين، قال عقبة بن عمرو رضي الله عنه : خطبنا رسول الله ﷺ خطبة فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال :« إن منكم منافقين فمن سميت فليقم ثم قال قم يا فلان، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى سمى ستة وثلاثين رجلاً؟. ثم قال : إن فيكم أو منكم منافقين فاتقوا الله »، قال فمرّ عمر رضي الله عنه برجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه، فقال : ما لك؟ فحدثه بما قال رسول الله ﷺ، فقال : بعداً لك سائر اليوم. وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ أي لنختبرنكم بالأوامر والنواهي ﴿ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ ﴾، وليس في تقدم علم الله تعالى بما هو كائن شك ولا ريب، فالمراد حتى نعلم وقوعه، ولهذا يقول ابن عباس في مثل هذا : إلاّ لنعلم، أي لنرى.


الصفحة التالية
Icon