يقول تعالى مخبراً للناس أنه خلقهم من نفس واحدة، وجعل منها زوجها وهما ( آدم ) و ( حواء ) وجعلهم شعوباً وهي أعم من القبائل، وبعدها مراتب أُخر، كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك، فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية، إلى آدم وحواء عليهما السلام سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية، وهي طاعة الله تعالى ومتابعة رسوله ﷺ، ولهذا قال تعالى بعد النهي عن الغيبة، واحتقار بعض الناس بعضاً، منبهاً على تساويهم في البشرية :﴿ ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا ﴾ أي ليحصل التعارف بينهم كل يرجع إلى قبيلته. وقال مجاهد :﴿ لتعارفوا ﴾ كما يقال فلان ابن فلان من قبيلة كذا وكذا، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال :« تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر » وقوله تعالى :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ ﴾، أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب.
وقد وردت الأحاديث بذلك عن رسول الله ﷺ، فروى البخاري عن أبي هريرة قال :« سئل رسول الله ﷺ : أي الناس أكرم؟ قال :» أكرمهم عند الله أتقاهم «، قالوا : ليس على هذا نسألك، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله ابن خليل الله، قالوا : وليس هذا نسألك، قال :» فعن معادن العرب تسألوني «؟ قالوا : نعم، قال :» فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا « ». حديث آخر : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم » حديث آخر : وروى الإمام أحمد، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن النبي ﷺ قال له :« انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله » حديث آخر : وعن حبيب بن خراش العصري أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :« المسلمون أخوة لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى » حديث آخر : وعن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :« كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان » حديث آخر : قال ابن أبي حاتم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :« طاف رسول الله صلىلله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده، فما وجد لها مناخاً في المسجد حتى نزل ﷺ على أيدي الرجال، فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت، ثم إن رسول الله ﷺ خطبهم على راحلته فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو له أهل، ثم قال :» يا أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان : رجل بر تقي كريم على الله تعالى، ورجل فاجر شقي هيّنٌ على الله تعالى، إن الله عزّ وجلّ يقول :﴿ ياأيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لتعارفوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ الله عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ «. ثم قال :ﷺ :» أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم « »


الصفحة التالية
Icon