يقول تعالى منبهاً للعباد على قدرته العظيمة، التي أظهر بها ما هو أعظم مما تعجبوا مستبعدين لوقوعه ﴿ أَفَلَمْ ينظروا إِلَى السمآء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا ﴾ ؟ أي بالمصابيح، ﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ قال مجاهد : يعني من شقوق، وقال غيره : فتوق، وقال غيره : صدوع، والمعنى متقارب، كقوله تبارك وتعالى :﴿ مَّا ترى فِي خَلْقِ الرحمن مِن تَفَاوُتٍ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾ [ الملك : ٣ ]. وقوله تبارك وتعالى :﴿ والأرض مَدَدْنَاهَا ﴾ أي وسعناها وفرشناها ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ وهي الجابل لئلا تميد بأهلها وتضطرب، فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها، ﴿ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ أي من جميع الزروع والثمار والنبات والأنواع، ﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [ الذاريات : ٤٩ ] وقوله ﴿ بَهِيجٍ ﴾ أي حسن المنظر، ﴿ تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ أي مشاهدة خلق السماوات والأرض وما جعل الله فيهما من الآيات العظيمة ﴿ تَبْصِرَةً ﴾ ودلالة وذكرى لكل ﴿ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ أي خاضع خائف وجل، رجَّاع إلى الله عزَّ وجلَّ، وقوله تعالى :﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السمآء مَآءً مُّبَارَكاً ﴾ أي نافعاً ﴿ فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق من بساتين ونحوها ﴿ وَحَبَّ الحصيد ﴾ وهو الزرع الذي يراد لحبه وادخاره. ﴿ والنخل بَاسِقَاتٍ ﴾ أي طوالاً شاهقات، قال ابن باس ومجاهد وعكرمة : الباسقات الطوال، ﴿ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ ﴾ أي منضود، ﴿ رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ ﴾ أي للخلق، ﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾ وهي الأرض التي كانت هامدة، فلما نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، من أزاهير وغاير ذلك مما يحار الطرف في حسنها، وذلك بعدما كانت لا نباتع بها فأصبحت تهتز خضراء، فهذا مثال للبعث بعد الموت والهلاك، كذلك يحيي الله الموتى، وهذا المشاهد من عظيم قدرته بالحس، أعظم مما أنكره الجاحدون للبعث، كقوله عزّ وجل :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ]، وقوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ] وقال سبحانه وتعالى :﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأرض خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المآء اهتزت وَرَبَتْ إِنَّ الذي أَحْيَاهَا لَمُحْىِ الموتى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ فصلت : ٣٩ ].


الصفحة التالية
Icon