يقول تعالى مخبراً عن الملك الموكل بعمل آدم، أنه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول :﴿ هذا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ ﴾ أي معتد محضر بلا زيادة ولا نقصان، وقال مجاهد : هذا كلام الملك السائق يقول : هذا ابن آدم الذي وكلتني به قد أحضرته، وقد اختار ابن جرير أنه يعم السائق والشهيد، وله اتجاه وقوة، فعند ذلك يحكم الله تعالى في الخليقة بالعدل فيقول :﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾، وقد اختلف النحاة في قوله :﴿ أَلْقِيَا ﴾ فقال بعضهم : هي لغة لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتثنية، والظاهر أنها مخاطبة مع السائق والشيهد، فالسائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلما أدى الشهيد عليه، أمرهما الله تعالى بإلقائه في نار جهنم وبئس المصير ﴿ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ ﴾ أي كثير الكفر والتكذيب بالحق ﴿ عَنِيدٍ ﴾ معاند للحق معارض له بالباطل مع علمه بذلك، ﴿ مَّنَّاعٍ ﴾ أي لا يؤدي ما عليه من الحقوق، لا بر ولا صلة ولا صدقة، ﴿ لِّلْخَيْرِ ﴾ أي فيما ينفقه ويصرفه، يتجاوز فيه الحد. وقال قتادة : معتد في منطقة وسيره وأمره، ﴿ مُعْتَدٍ ﴾ أي شاك في أمره، مريب لمّن نظر في أمره، ﴿ مُّرِيبٍ ﴾ أي شاك في أمره، مريب لمن نظر في أمره، ﴿ الذي جَعَلَ مَعَ الله إلها آخَرَ ﴾ أي أشرك الله فعبد معه غيره، ﴿ فَأَلْقِيَاهُ فِي العذاب الشديد ﴾، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال :« يخرج عنق من النار يتكلم يقول : وكلت اليوم بثلاثة : بكل جبار عنيد، ومن جعل مع الله إلهاً آخر، ومن قتل نفساً بغير نفس، فتنطوي عليهم فتقذفهم في غمرات جهنم » ﴿ قَالَ قرِينُهُ ﴾ قال ابن عباس ومجاهد : هو الشيطان الذي وكل به، ﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ ﴾ أي يقول عن الإنسان الذي قد وافى القيامة كافراً يتبرأ منه شيطانه فيقول ﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ ﴾ أي أضللته، ﴿ ولكن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ أي بل كان هو في نفسه ضالاً، معانداً للحق، كما أخبر سبحانه في قوله :﴿ وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِيَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] الآية. وقوله تبارك وتعالى :﴿ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ ﴾ يقول الرب عزّ وجلّ للإنسي وقرينه من الجن، وذلك أنهما يختصمان بين يدي الحق تعالى، فيقول الإنسي : يا رب هذا أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني، ويقول الشيطان :﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ ولكن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ ﴾ أي عن منهج الحق، فيقول الرب عزّ وجلّ لهما ﴿ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ ﴾ أي عندي، ﴿ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد ﴾ أي قد أعذرت إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب وقامت عليكم الحجج والبراهين، ﴿ مَا يُبَدَّلُ القول لَدَيَّ ﴾ قال مجاهد : يعني قد قضيت ما أنا قاض، ﴿ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ أي لست أعذب أحداً بذنب أحد، ولكن لا أعذب أحداً إلاّ بذنبه، بعد قيام الحجة عليه.


الصفحة التالية
Icon