يقول تعالى :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ ﴾ قبل هؤلاء المكذبين ﴿ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشاً ﴾ أي كانوا أكثر منهم وأشد قوة. ولهذا قال تعالى :﴿ فَنَقَّبُواْ فِي البلاد هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾. قال مجاهد :﴿ فَنَقَّبُواْ فِي البلاد ﴾ ضربوا في الأرض. وقال قتادة فساروا في البلاد أي ساروا فيها يبتغون الأرزاق والمتاجر والمكاسب. ويقال لمن طوف في البلاد، نقب ليها، وقوله تعالى :﴿ هَلْ مِن مَّحِيصٍ ﴾ أي هل من مفر لهم من قضاء الله وقدره؟ وهل نفعهم ما جمعوه لما كذبوا الرسل؟ فأنتم أيضاً لا مفر لكم ولا محيد، وقوله عزّ وجلّ :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى ﴾ أي لعبرة ﴿ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ ﴾ أي لب يعي به، وقال مجاهد : عقل، ﴿ أَوْ أَلْقَى السمع وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ أي استمع الكلام فوعاه، وتعقله بعقله وتفهمه بلبه، وقال الضحّاك : العرب تقول : ألقى فلان سمعه إذا استمع بأذنيه وهو شاهد بقلب غير غائب، وقوله سبحانه وتعالى :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ فيه تقرير للمعاد، لأن من قدر على السماوات والأرض ولم يعي يخلقهن، قادر على أن يحيي الموتى بطريق الأولى والأحرى. وقال قتادة : قالت اليهود - عليهم لعائن الله - خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع وهو يوم السبت، وهم يسمونه يوم الراحة فأنزل الله تعالى تكذيبهم فيما قالوه وتأولوه :﴿ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ﴾ أي من إعياء ولا تعب ولا نصب، كما قال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ على أَن يُحْيِيَ الموتى بلى إِنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [ الأحقاف : ٣٣ ] وكما قال عزَّ وجلَّ :﴿ لَخَلْقُ السماوات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ] وقال تعالى :﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السمآء بَنَاهَا ﴾ [ النازعات : ٢٧ ].
وقوله عزّ وجل :﴿ فاصبر على مَا يَقُولُونَ ﴾ يعني المكذبين اصبر عليهم واهجرهم هجراً جميلاً ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب ﴾، وكانت الصلاة المفروضة قبل الإسراء ثنتان قبل طلوع الشمس في وقت الفجر، وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النبي صلى الله عليه ونسلم وعلى أمته حولاً، ثم نسخ في حق الأمة وجوبه. ثم بعد ذلك نسخ الله تعالى ذلك كله ليلة الإسراء بخمس صلوات. ولكن منهم صلاة ( الصبح والعصر ) فهما قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، وقد روى الإمام أحمد، عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما :« كنا جلوساً عند النبي ﷺ فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال :» أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا القمر لا تضامون فيه، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا «


الصفحة التالية
Icon