« إن في الجنة غرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها » فقال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : لمن هي يا رسول الله؟ قال ﷺ :« لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وبات لله قائماً والناس نيام » «.
وقوله عزّ وجلّ :﴿ وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ قال مجاهد : يصلون، وقال آخرون : قاموا الليل وأخروا الاستغفار إلى الأسحار، كما قال تبارك وتعالى :﴿ والمستغفرين بالأسحار ﴾ [ آل عمران : ١٧ ]، وقد ثبت في الصحاح، عن رسول الله ﷺ أنه قال :» إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى سؤله؟ حتى يطلع الفجر « وقوله تعالى :﴿ وفي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ والمحروم ﴾ لما وصفهم بالصلاة، ثنى بوصفهم بالزكاة والبر والصلة، فقال ﴿ وفي أَمْوَالِهِمْ ﴾ أي جزء مقسوم قد أفرزوه للسائل والمحروم، أما السائل فمعروف وهو الذي يبتدىء بالسؤال وله حق، كما قال رسول الله ﷺ :» للسائل حق وإن جاء على فرس « وأما المحروم فقال ابن عباس ومجاهد : هو المحارب الذي ليس له في الإسلام سهم، يعني لا سهم له في بيت المال ولا كسب له ولا حرفة يتقوت منها، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : هو المحارب الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وقال الضحاك : هو الذي لا يكون له مال ذهب، قضى الله تعالى له ذلك، وقال ابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء : المحروم المحارف، وقال قتادة والزهري : المحروم الذي لا يسأل الناس شيئاً، وقد قال رسول الله ﷺ :» ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه « وقال سعيد بن جبير : هو الذي يجيء وقد قسم المغنم فيرضخ له، وقال الشعبي : أعياني أن أعلم ما المحروم، واختار ابن جرير أن المحروم الذي لا مال له بأي سبب كان وقد ذهب ماله، سواء كان لا يقدر على الكسب، أو قد هلك ماله بآفة أو نحوها.
وقوله عزّ وجلّ :﴿ وَفِي الأرض آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ أي فيها من الآيات الدالة على عظمة خالقها وقدرته الباهرة، مما فيها من صنوف النبات والحيوانات والمهاد، والجبال والقفار والأنهار والبحار، واختلاف ألسنة وألوانهم، وما بينهم من التفاوت في العقول والفهوم والسعادة والشقاوة، وما في تركيبهم من الحكم، في وضع كل عضو من أعضائهم في المحل الذي هو محتاج إليه فيه، ولهذا قال عزّ وجلّ :﴿ وفي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ ؟ قال قتادة : من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خلق ولينت مفاصله للعبادة، ثم قال تعالى :﴿ وَفِي السمآء رِزْقُكُمْ ﴾ يعني المطر ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ يعني الجنة، قاله ابن عباس ومجاهد وغير واحد، وقوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾، يقسم تعالى بنفسه الكريمة : أن ما وعدهم به من أمر القيامة، والبعث والجزاء كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون، وكان معاذ رضي الله عنه إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه إن هذا لحقٌ كما أنك هاهنا.