هذه القصة قد تقدمت في سورة هود والحجر، فقوله :﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ المكرمين ﴾ أي الذين أرصد لهم الكرامة، وقد ذهب الإمام أحمد إلى وجوب الضيافة للنزيل، وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل، وقوله تعالى :﴿ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ ﴾ الرفع أقوى وأثبت من النصب، فردّه أفضل من التسليم، ولهذا قال تعالى :﴿ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ ﴾ [ النساء : ٨٦ ] فالخليل اختار الأفضل، وقوله تعالى :﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ وذلك أن الملائكة، وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، قدموا عليه في صورة شبان حسان عليهم مهابة عظيمة، ولهذا قال ﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾. وقوله عزّ وجلّ :﴿ فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ ﴾ أي انسل خفية في سرعة، ﴿ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ أي منن خيار ماله، وفي الآية الأُخْرى :﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ [ هود : ٦٩ ] أي مشوي على الرَّضْف ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ أي أدناه منهم، ﴿ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ ﴾ ؟ تلطف في العبارة وعرض حسن، وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، وأتى بأفضل ما وجد من ماله وهو عجلٌ فتيٌّ سمين مشوي، فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم، ولم يأمرهم أمراً يشق على سامعه بصيغة الجزم، بل قال :﴿ أَلاَ تَأْكُلُونَ ﴾ ؟ على سبيل العرض والتلطف، كما يقول القائل اليوم : إن رأيت أن تتفضل وتحسن وتتصدق فافعل. وقوله تعالى :﴿ فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ كقوله تعالى :﴿ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [ هود : ٧٠ ] ﴿ قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلَيمٍ ﴾ البشارة له بشارة لها، لأن الولد منهما فكل منهما بشر به، وقوله تعالى :﴿ فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ ﴾ أي في صرخة عظيمة ورنة، وهي قولها ﴿ يَاوَيْلَتَا ﴾ [ المائدة : ٣١ ] ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ﴾ أي ضربت بيدها على جبينها، قال ابن عباس : لطمت أي تعجباً، كما تتعجب النساء من الأمر الغريب ﴿ وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾ أي كيف ألد وأنا عجوز وقد كنت في حال الصبا عقيماً لا أحبل؟ ﴿ قَالُواْ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الحكيم العليم ﴾ أي عليم بما تستحقون من الكرامة، حكيم في أقواله وأفعاله.