هذا المقام في إثبات الربوبية، وتوحيد الألوهية، فقال تعالى :﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون ﴾ ؟ أي أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا أنفسهم؟ أي لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم، بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً، روى البخاري، عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية :﴿ أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون * أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المصيطرون ﴾ ؟ كاد قلبي أن يطير. ثم قال تعالى :﴿ أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ ﴾ ؟ أي أهم خلقوا السماوات والأرض؟ وهذا إنكار عليهم في شركهم بالله وهم يعلمون أنه الخالق وحده لا شريك له، ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المصيطرون ﴾ ؟ أي أهم يتصرفون في الملك وبيدهم مفاتيح الخزائن ﴿ أَمْ هُمُ المصيطرون ﴾ أي المحاسبون للخلائق، بل الله عزّ ودلّ هو المالك المتصرف الفعال لما يريد. وقوله تعالى :﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾ ؟ أي مرقاة إلى الملأ الأعلى، ﴿ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ أي فليأت الذي يستمع لهم بحجة ظاهرة. على صحة ما هم فيه من الفعال والمقال، ثم قال منكراً عليهم فيما نسبوه إليه من البنات، واختيارهم لأنفسهم الكذور على الإناث، وقد جعلوا الملائكة بنات الله وعبدوهم مع الله فقال :﴿ أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون ﴾ ؟! وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ﴾ ؟ أي أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله، أي لست تسألهم على ذلك شيئاً، ﴿ فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ ﴾ أي فهم من أدنى شيء يتبرمون منه، ويثقلهم ويشق عليهم. ﴿ أَمْ عِندَهُمُ الغيب فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾ أي ليس الأمر كذلك فإنه لا يعلم أحد من أهل السماوات والأرض الغيب إلا الله، ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فالذين كَفَرُواْ هُمُ المكيدون ﴾، يقول تعالى : أم يريد هؤلاء بقولهم هذا في الرسول، وفي الدين غرور الناس وكيد الرسول وأصحابه، فكيدهم إما يرجع وباله على أنفسهم، فالذين كفروا هم المكيدون، ﴿ أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ الله سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾، وهذا إنكار شديد على المشركين في عبادتهم الأصنام والأنداد مع الله. ثم نزه نفسه الكريمة عما يقولون ويفترون، ويشركون، فقال :﴿ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾.


الصفحة التالية
Icon