يقول تعالى مقرعاً للمشركين في عبادتهم الأصنام والأوثان، واتخاذهم لها البيوت مضاهاة للكعبة التي بناها خليل الرحمن، ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللات ﴾ ؟ وكانت اللات صخرة بيضاء منقوشة، عليها بيت بالطائف، له أستار وسدنة، يفتخرون بها على من عداهم من أحياء العرب بعد قريش، قال ابن جرير : وكانوا قد اشتقوا اسمها من اسم الله فقالوا : اللات يعنون مؤنثة منه، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :﴿ اللات والعزى ﴾ قال : كان اللات رجلاً يلت السويق سويق الحاج. قال ابن جرير : وكذا العزى من العزيز وكانت الشجرة عليها بناء وأستار بنخلة وهي بين مكة والطائف كانت قريش يعظمونها كما قال أبو سفيان يوم أحد :« لنا العزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله ﷺ :» قولوا الله مولانا ولا مولى لكم « »، وروى البخاري، عن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ :« من حلف فقال في حلفه واللات والعزى فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه : تعالى أُقامرك فليتصدق »، فهذا محمول على من سبق لسانه في ذلك كما كانت ألسنتهم قد اعتادته من زمن الجاهلية، كما قال النسائي، وأما مناة فكانت بالمشلل بين مكة والمدينة، وكانت خزاعة والأوس والخزرج في جاهليتها يعظمونها ويهلون منها للحج إلى الكعبة، وإنما أفرد هذه بالذكر لأنها أشهر من غيرها، قال ابن إسحاق : كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيت، وهي بيوت تعظمها، كتعظيم الكعبة، لها سدنة وحجاب تطوف بها كطوافها بها وتنحر عندها، فكانت لقريش ولبني كنانة ( العزى ) بنخلة، وكان سدنتها وحجابها ( بني شيبان ) من سليم حلفاء بن هاشم، قلت : بعث إليها رسول الله ﷺ خالد بن الوليد فهدمها وجعل يقول :
يا عز كفرانك لا سبحانك | إني رأيت الله قد أهانك |
ثم قال تعالى منكراً عليهم فيما ابتدعوه وأحدثوه من عبادة الأصنام وتسميتها آلهة ﴿ إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم ﴾ أي من تلقاء أنفسكم ﴿ مَّآ أَنزَلَ الله بِهَا مِن سُلْطَانٍ ﴾ أي من حجة ﴿ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَمَا تَهْوَى الأنفس ﴾ أي ليس له مستند إلا حسن ظنهم بآبائهم، الذين سلكوا هذا المسلك الباطل قبلهم، وإلا حظ نفوسهم وتعظيم آبائهم الأقدمين، ﴿ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الهدى ﴾ أي ولقد أرسل الله إليهم الرسل، بالحق المنير والحجة القاطعة، ومع هذا ما اتبعوا ما جاءهم به ولا انقادوا له، ثم قال تعالى :﴿ أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تمنى ﴾ أي ليس كل من تمنى خيراً حصل له،