يقول تعالى :﴿ وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى ﴾ أي المعاد يوم القيامة، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال : قام فينا معاذ بن جبل فقال : يا بني أود! إن رسول رسول الله ﷺ إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الله، إلى الجنة أو إلى النار، وذكر البغوي عن أُبي بن كعب، عن النبي ﷺ في قوله :﴿ وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى ﴾ قال :« لا فكرة في الرب »، وفي الصحيح :« يأتي الشيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا من خلق كذا؟ حتى يقول : من خلق ربك؟ فإذا بلغ أحدكم ذلك فليستعذ بالله ولينته » وفي الحديث الذي في « السنن » :« تفكروا في مخلوقات الله ولا تفكروا في ذات الله، فإن الله تعالى خلق ملكاً ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة ثلاثمائة سنة »، أو ما قال، وقوله تعالى :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وأبكى ﴾ أي خلق الضحك والبكاء وهما مختلفان ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ﴾، كقوله :﴿ الذي خَلَقَ الموت والحياة ﴾ [ الملك : ٢ ]، ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزوجين الذكر والأنثى * مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تمنى ﴾، كقوله :﴿ أَيَحْسَبُ الإنسان أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يمنى ﴾ [ القيامة : ٣٦-٣٧ ] ؟ وقوله تعالى :﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى ﴾، أي كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أغنى وأقنى ﴾، أي ملك عباده المال وجعله لهم ( قنية ) مقيماً عندهم لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليهم، وعن مجاهد ﴿ أغنى ﴾ مؤل ﴿ وأقنى ﴾ أخدم، وقال ابن عباس ﴿ أغنى ﴾ : أعطى، ﴿ وأقنى ﴾ : رضّى، وقوله :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشعرى ﴾ قال ابن عباس : هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له مرزم الجوزاء، كانت طائفة من العرب يعبدونه، ﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الأولى ﴾ وهم قوم ( هود ) ويُقال لهم ( عاد بن إرم )، كما قال تعالى :﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العماد * التي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البلاد ﴾ [ الفجر : ٦-٨ ] ؟ فكانوا من أشد الناس وأقواهم، وأعتاهم على الله تعالى وعلى رسوله فأهلكهم الله ﴿ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ ﴾ [ الحاقة : ٦ ]، وقوله تعالى :﴿ وَثَمُودَ فَمَآ أبقى ﴾ أي دمرهم فلم يبق منهم أحداً، ﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ﴾ أي من قبل هؤلاء ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وأطغى ﴾ أي أشد تمرداً من الذين بعدهم، ﴿ والمؤتفكة أهوى ﴾ يعني مدائن لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال :﴿ فَغَشَّاهَا مَا غشى ﴾ يعني من الحجارة التي أرسلها عليهم ﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى ﴾ ؟ أي ففي أن نعم الله عليك أيها الإنسان تمتري قال قتادة، وقال ابن جريج :﴿ فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكَ تتمارى ﴾ ؟ يا محمد، والأول أولى وهو اختيار ابن جرير.


الصفحة التالية
Icon