يقول تعالى :﴿ كَذَّبَتْ ﴾ قبل قومك يا محمد ﴿ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا ﴾ أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون، ﴿ وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر ﴾ قال مجاهد : أي استطير جنوناً، وقيل :﴿ وازدجر ﴾ أي انتهروه وزجروه وتواعدوه، ﴿ قَالُواْ لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين ﴾ [ الشعراء : ١١٦ ] قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن، ﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر ﴾ أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك، قال الله تعالى :﴿ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ﴾ وهو الكثير، ﴿ وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً ﴾ أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً، ﴿ فَالْتَقَى المآء ﴾ أي من السماء والأرض ﴿ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ أي أمر مقدر. قال ابن عباس :﴿ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ﴾ كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب، فتحت أبواب السماء بالمء من غير سحاب ذلك اليوم، فالتقى الماءان على أمر قد قدر، ﴿ وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾ قال ابن عباس : هي المسامير، وقال مجاهد : الدسر أضلاع السفينة، وقال عكرمة والحسن : هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحّاك : الدسر طرفاها وأصلها، وقال العوفي، عن ابن عباس : هو كلكلها أي صدرها، وقوله :﴿ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ﴾ أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا ﴿ جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ أي جزاء لهم على كفرهم بالله، وانتصاراً لنوح عليه السلام، وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً ﴾ قال قتادة : أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أو هذه الأمة، والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن كقوله تعالى :﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون ﴾ [ يس : ٤١ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّا لَمَّا طَغَا المآء حَمَلْنَاكُمْ فِي الجارية ﴾ [ الحاقة : ١١ ]، ولهذا قال هاهنا :﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ أي فهل من يتذكر ويتعظ؟ وقوله تعالى :﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ﴾ أي كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي ولم يتعظ بما جاءت به نذري، وكيف انتصرت لهم وأخذت لهم بالثأر، ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ ﴾ أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس، كما قال :﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ ليدبروا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ الألباب ﴾ [ ص : ٢٩ ]، وقال تعالى :﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المتقين وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً ﴾ [ مريم : ٩٧ ]، قال مجاهد :﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ ﴾ يعني هوّنّا قرءاته، وقال السدي : يسرنا تلاوته على الألسن، وقال ابن عباس : لولا أن الله يسره على لسان الآدميين ما استطاع أحد من الخلق أن تكلم بكلام الله عزّ وجلّ، وقوله :﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه؟ وقال القرظي : فهل من منزجر عن المعاصي؟ وروى ابن أبي حاتم، عن مطر الوراق في قوله تعالى :﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ هل من طالب علم فيعان عليه.