وقد ثبت في « صحيح مسلم »، عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله ﷺ :« إن الله كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة »، زاد ابن وهب :﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المآء ﴾ [ هود : ٧ ]. وقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر ﴾ وهذا إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه، كما أخبر بنفوذ قدره فيهم، فقال :﴿ وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ ﴾ أي إنما نأمر بالشيء مرة واحدة، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية، فيكون ذلك موجوداً كلمح البصر لا يتأخر طرفة عين، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :

إذا ما أراد الله أمراً فإنما يقول له كن قوله فيكون
وقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ ﴾ يعني أمثالكم وسلفكم من الأمم السابقة المكذبين بالرسل، ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ ؟ أي فهل من متعظ بما أخرى الله أولئك، وقدَّر لهم من العذاب، كما قال تعالى :﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ ﴾ [ سبأ : ٥٤ ]، وقوله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر ﴾ أي مكتوب عليهم في الكتب التي بأيدي الملائكة عليهم السلام، ﴿ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ ﴾ أي من أعمالهم ﴿ مُّسْتَطَرٌ ﴾ أي مجموع عليهم ومسطّر في صحائفهم، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، وقد روى الإمام أحمد، عن عائشة أن رسول الله ﷺ قال :« يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً » وقوله تعالى :﴿ إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ أي بعكس ما الأشقياء فيه من الضلال والسعر، والسحب في النار على وجوههم، مع التوبيخ والتقريع والتهديد، وقوله تعالى :﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ ﴾ أي في دار كرامة الله ورضوانه، وفضله وامتنانه، وجوده وإحسانه ﴿ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ أي عند الملك العظيم، الخالق للأشياء كلها ومقدرها، وهو مقتدر على ما يشاء مما يطلبون ويريدون، وقد روى الإمام أحمد، عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي ﷺ قال :« المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ».


الصفحة التالية
Icon